٠٥ فبراير ٢٠١١

 

الشعب أسقط شرعية النظام!




منذ 25 يناير أصبحت هناك شرعية جديدة إسمها الشرعية الثورية.

الشعب حدد شعار واضح هو "الشعب يريد إسقاط النظام" وهذا يعني إسقاط النظام بكل رموزه ومؤسساته، بدستوره وبمجالسه النيابية المزورة. فالحديث عن تفويض السلطات لعمر سليمان حديث بااااااااطل، فهو جزء من النظام القمعي الفاسد الذي أسقطه الشعب، كما أن مبارك الذي سيفوّض له هذه السلطات سقطت شرعيته ولم يعد رئيسا شرعيا لمصر!

والحديث عن حفظ كرامة مبارك الذي مرغ كرامة مصر في الطين حديث باااااطل!

أما إتهام الشباب بالعمل لحساب جهات أجنبية والقول بأن هناك جهات أجنبية تقف وراء ثورة 25 يناير فهو كلام مضحك لإنه يأتي من نظام باع مصر للجهات الخارجية كما لم يحدث طيلة تاريخها!!! ويكفي أنه يقول أنه حليف استراتيجي لأمريكا ويكفي أن نلاحظ أن أكثر بلد قلق في العالم على نظام مبارك هو إسرائيل.

النظام الذي بنى الجدار الفولاذي لحماية إسرائيل بأي وجه يتكلم عن العمل لمصلحة جهات أجنبية؟

الشعب يريد إسقاط النظام : نظام القمع و والفساد والعمالة لأمريكا و إسرائيل. هذا هو شعارنا الذي يجب أن نتمسك به بكل ما يترتب عليه من نتائج. ولابد أن يكون هذا واضحاً للجميع

سامية جاهين


١٧ يونيو ٢٠٠٧

 

المواطنون العرب في إسرائيل ونظام الوصاية


«د.عزمي بشارة»


يصعب تفسير شدة حملة التحريض الأخيرة على المواطنين العرب في الداخل، وعلى تيارهم الوطني بشكل خاص، بفتح التحقيق ضد نائب عربي في البرلمان بتهم أمنية. ولا شك أن المؤسسة الصهيونية بيسارها ويمينها تصفي حسابا طويلا مع أفكار طرحت ووصلت مؤخراً حد التفتح بألف لون وزهرة، وشكلت اقتراح مشروع فعلي للجماهير العربية. ولا يوجد مشروع يمكن تسميته مشروع شامل للجماهير العربية تتميز به سوى: أولاً، أن الدولة لكي تكون ديمقراطية ولكي تتحقق فيها المساواة يجب أن تكون لجميع مواطنيها، وهذا يعني أن المساواة والديمقراطية إذا طرحت بشكل مثابر وصحيح لا يصح أن تكون اندماجية في الصهيونية أو على هوامشها، بل مناقضة منافية لها. وثانياً، أنه في هذه البلاد تعيش قوميتان واحدة منهما هي قومية الأصلانيين، وأن العرب الذين بقوا هم جزء من القومية الأصلانية. هذا إضافة لحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً. وهم يعلمون أن هذا المشروع لم يعد حزبيا بل أصبح إرث كل شاب وفتاة عربية يرفضان التخلي عن عروبتهم وعن المساواة الكاملة، ويرفضون نظام الوصاية الاستعماري الطابع.

ويصادف المواطن العريي عشرات الأنواع من الوصاية لا يكاد يدركها لكثرتها، نذكر منها ثلاثة فقط:

1. وصاية على الحقوق: يعتبر كل حق للعرب في هذه البلاد منحة ومنة من الدولة اليهودية توجب التسبيح بحمدها وتهليل الفرق في مستوى المعيشة والحقوق السياسية بين المواطنين العرب داخل الخط الأخضر وفي قطاع غزة مثلاً، أو أن توجب التعبير عن امتنانهم لضمان حق الكلام وحرية الرأي قياسا بالدول العربية، وعلى تمتعهم بديمقراطية إسرائيل في مقابل فقدانها في العالم العربي.

والحقيقة أن هذه الوصاية قد انطلت على البعض في الداخل ممن تذوتوا فكرة التفاخر المشوه بإسرائيلية غير قائمة إلا في خيالهم. أما المشاهد العربي المطلوب منه تذوت الهزيمة، فيرى عربا من الداخل يعبرون عن رأيهم بحرية في التلفزيون فيحسدهم على هذه النعمة، ويرى رئيسا إسرائيليا يحاكم فيحسدنا على هذه النعمة. فقد اخذوا الوطن كله ومنحوا الناس حرية الكلام.

ولا شك أن هذا الموقف يتضمن محوا للتاريخ بمعنى التعامل مع إسرائيل كدولة كانت دائما هنا، وهاجرت اليها اقلية عربية باحثة عن حياة افضل. وهذا يعني ان هذه الأقلية يجب ان تكون موالية لإسرائيل، وطنها الجديد الذي هاجرت إليه، مقارنة الحياة فيها ببلدان الأصل. يسقط هنا طبعا الوعي التاريخي بأن هذه الديمقراطية هي ديمقراطية قامت على خرائب شعب، وهي تعيد انتاج ذاتها كديمقراطية داخل حدود جماعة وهوية استيطانية، وأنه يتم التسامح مع العرب في إطار هذه الحدود فقط. وعند حصول أي تحد لهذه الحدود تسقط الديمقراطية الإسرائيلية في الامتحان، إن كان ذلك بإطلاق النار على متظاهرين عرب أو بنزع حصانة نائب ومحاكمته، وأخيرا في الجوقة الإعلامية المنسقة التي تخرج دفعة واحدة مثل قبيلة بدائية تقرع طبول الحرب.

لماذا نتحدى هذه الحدود ونحاول توسيعها باستمرار؟ لم لا نقنع بالعيش في مستوى الحياة الإسرائيلي ضمن هذه الحدود، وكمواطنين من الدرجة الثانية فهذا على كل حال أكثر من خبزنا كفاف يومنا؟ والحقيقة أنه في هذه الأثناء تتحول القرى والمدن العربية الى جيتوات واحياء فقر، ونظام التأمينات الاجتماعية الإسرائيلي يحمي الفقراء من الجوع ولكنه يكرس فقرهم، كما أنه من ناحية أخرى وخلافا لآفاق التطور العربي فإن الأفق في إسرائيل مسدود تماما أمام المثقفين العرب والطبقات الوسطى العربية والبرجوازية وغيرها.

لا مجال للتطور في الحدود التي تضعها إسرائيل. ولذلك يجب توسيعها باستمرار. وحتى دون ذاكرة تاريخية ليس صحيحا ما يقوله بعض المعتدلين العرب الذين يلوموننا على أننا لا نكتفي بدور قوة احتياط لمعسكر السلام الإسرائيلي، وأن على العرب في إسرائيل ان يشكروا ويسبحوا بحمد الواقع الإسرائيلي وأن يفرحوا به. إنهم يبررون اعترافهم ليس فقط بإسرائيل بل ايضا بطابعها الصهيوني، ويبررون أيضا التنازل عن حق العودة لكي تحافظ على هذا الطابع، ومن وجهة نظرهم يجب أن يقتصر دور عرب الداخل على تأييد هذا المسعى. ولذلك يرى بعض العرب أن "العربي الجيد" بنظر المؤسسة الصهيونية هو العربي الجيد فعلا، اي المريح لهم أيضا في هذه المرحلة.

2. وصاية على علاقة العرب مع هويتهم العربية: لا تكتفي إسرائيل بوجود عملاء او أصحاب مصالح مرتبطين مباشرة بها وبسياستها، بل تحاول أن تفرض حدودا بين المواطن العربي العادي وبين بقية العرب بحيث لا يصح له التضامن مع أعدائها، وكأنه أعداءها هم أعداؤه. والعدو في مرحلة هو الشعب الفلسطيني او لبنان او سوريا أو المملكة العربية السعودية. ويرفض الوعي التاريخي أن تجعل إسرائيل من المنطقة العربية عدوا لعرب الداخل. ولكن حتى بدون وعي تاريخي يسأل السؤال: كيف يمكن الوقوف مع المعتدي وعدم التعاطف مع ضحية العدوان؟ طبعا تفضل إسرائيل أن يشكل مواطنوها العرب جسر سلام مع العرب، ولكنه يجب أن يكون رأس جسر لإسرائيل وليس للعرب. في هذه الحالة تصبح العلاقة مع العرب محمودة لأنها تسخر كأداة تطبيع في خدمة إسرائيل. اما العلاقة الطبيعية الراغبة في التواصل مع المجتمعات والدول العربية من أجل الحفاظ على الهوية الوطنية والقومية فهي مرفوضة ويتم التحريض عليها لانها تشب على طوق الوصاية.

لقد حرضت إسرائيل ضد أي محاولة عربية محلية جدية لنسج علاقات مع العرب خارج نظام الوصاية. وكان دائما عملاء ومخبرو إسرائيل العرب من سياسيين وغير سياسيين، على رأس حملات التحريض ضد هذا النوع من العلاقات مع العرب الذي لا يدخل ضمن نظام الوصاية فيهدد مكانتهم ودورهم أيضا في إسرائيل. ومنعت إسرائيل وحرمت وسنت القوانين لكي تمنع تواصلنا. وقد بلغت الوصاية بها انها باتت تترجم كل علاقة مع العرب تخرج عن إطار الوصاية إلى علاقة أمنية. وهذا كما يبدو سهم أخير في الجعبة التي استنزفت الأدوات الدستورية. هذه الرمية الأخيرة والخطيرة والتي تتكشف فيها الأنياب يجب الا تخيف الوطنيين، إذ من الصعب استخدامها بكثافة، ومن الواضح أنها تستخدم حاليا في حالة فردية يعتبرونها حالياً خطيرة سياسياً بشكل خاص، وأفضل طريقة لإحباطها هي ألا يسمح لها أن تؤثر على الموقف. فتعليم الناس درسا بشخص لا يعني أن يتصرف كل الناس بموجب ذلك، وإلا يكونوا قد نجحوا في تلقين الناس درسا فعلا.

3. الوصاية الأخلاقية: وهي أخطر أنواع الوصاية لأنها تفرض تفوقا أخلاقيا للصهيونية و"اليشوف" على العرب، الذين لا ينتظرون فقط الرضى من اليسار الصهيوني ومنحهم علامة "العربي المعتدل" أو "الجيد" او "المتطور" او "العقلاني" "الذي لا يبدو حتى عربيا"، بل يخشون اشد الخشية ويصابون بالهلع من الهجوم الكاسح اذا تم على شكل جوقة تحريض صهيونية. إن أخطر ما يمكن أن يحصل للمستعمَر هو ان يجمع بالطبل ويجزر بالعصا من قبل المستعمِر، او ان يضيع عقلة من تريبت الإعلام الإسرائيلي على كتفه أو ان يفقد شجاعته من التحريض عليه وإدانته كما فعل المستعمرون في الماضي ضد كل من لم يعحبهم من قيادات المستعمَرين في العالم الثالث كله.

ليست إسرائيل ديكتاتورية، بل هي ديمقراطية يهودية، وكيان استعماري في كل ما يتعلق بسلوكها مع العرب، بما في ذلك مواطنيها الذين تواجدوا على الأرض بعد ان انتهت حرب عام 1948، أي ما تبقى من الأغلبية العربية في هذه البلاد. يستمد هؤلاء حقهم بالوجود على الأرض من وجودهم الفعلي عليها جيلا بعد جيل، وبهذا المعنى، يضاف إليه البعد الثقافي والديني والقومي وغيره، هذا هو وطنهم. والمقصود أن وطنهم ليس إسرائيل، بل البلد الذي قامت على أنقاضه دولة إسرائيل. ولذلك فإن وطنيتهم لكي لا تكون مشوهة هي وطنية فلسطينية وليس إسرائيلية.

ولكن التناقض يكمن في أن حق الوجود على الأرض بموجب قانون المحتل يستمد من كونهم مواطنين في الدولة التي احتلت أرضهم وليس كأبناء الوطن الذي تم احتلاله. هكذا تقلب السياقات التاريخية رأسا على عقب. ويصبح المواطن بحاجة أن يثبت بالأوراق الإسرائيلية حقه بالوجود في هذه البلاد. من شهادة الولادة وحتى بطاقة الهوية والجواز، وأن يحمل بعضها في جيبه دائما خشية المباغتة البوليسية، ولتمييزه عن سكان المناطق المحتلة عام 1967 الذين يمنع وجودهم في هذا الجزء من الوطن دون تصريح.

بدون جنسية إسرائيلية أو "بطاقة هوية" إسرائيلية يسمح للعربي في أفضل الحالات أن يبقى سائحا مدة ثلاثة أشهر في وطنه، وذلك في حالة حصوله على تأشيرة دخول. وهي تأشيرة يسعى للحصول عليها الكثير من فلسطينيي الضفة والقطاع المتواجدين في الخارج، وقسم منهم يعاد من المطار بعد حصوله عليها، فحتى الجواز الأجنبي لا يسعفه أن يتحول إلى سائح "عادي" في بلده على الأقل.

لقد تحولت المواطنة في كيان استعماري إلى أداة تهجير، إلا إذا لعب الفلسطيني اللعبة على ملعب هذا الكيان وبموجب قوانينه لتنجح أقلية فقط في البقاء على الأرض كما يسمح التوازن الديموغرافي، والمحاكم إسرائيلية، وكذلك القانون. عليك أن تثبت له ولذاتك أنك "إسرائيلي"، أي أن تتشوه، وذلك لكي تبقى في فلسطين. أما ان تعود إلى فلسطين، فهذا غير وارد طبعا. وهذا يفترض أن تقاومه الحركة الوطنية، فالوجود العربي الفلسطيني على الأرض وحقوقنا لا تشتق من هذه "الإسرائيلية". كل هذا يهون مقابل مشاعر الرضى والاكتفاء التي ترتسم على وجوههم عندما يشعرون أن هويتهم أو جوازهم أو إقامتهم مرغوبة من قبل العربي. إنها عملية تضليل وخداع فريدة ونادرة لا مثيل لها في التاريخ الحديث: احتلوا البلد وطردوا السكان ثم منع من تبقى من الإقامة في البلد دون بطاقة هوية إسرائيلية أو دون جنسية، ثم يتظاهرون بالدهشة من جاذبية الجنسية الإسرائيلية للناس ورغبتهم بإقامة دائمة في إسرائيل، ويتظاهر بعض الإسرائيليين أنهم يفهمون من هذا كله أن حياة العرب فيها رائعة إلى درجة التشبث بها. وكأن هذا هو الدافع. ولا شك أن قسما من الناس نسي فعلا هذا السياق الاستعماري المقلوب للتمسك ببطاقة الهوية أو جواز السفر، وراح يفتخر به.

لسان حال التفكير اليميني الجديد في إسرائيل يقول: انس حقك في هذه البلاد كفلسطيني، وحقك أصلا ليس إيديولوجيا ناجما عن كون الدولة قامت من أجلك، كما في حالة المواطن اليهودي، فالمواطنة الإسرائيلية لا ترتبط بشخصك كيهودي، ولا تلازمك كصفة من صفاتك، إنما منحت لك هبة لكونك إسرائيلي بـ"صدفة" أو "مفارقة" وجودك هنا عند "قيام الدولة"، أي أن علاقتك بالدولة هي الأساس. وهي علاقة قائمة على الولاء أو الخيانة. أن يخون الفلسطيني إسرائيل. هل هذه جملة مفيدة؟ هذا ما يحاولون فرضه الآن. وهذا ما يجب تفويته عليهم.

____________________________
* رئيس التجمع الوطني الديمقراطي بالناصرة.

نشر في موقع: عرب 48
بتاريخ: 19 أبريل 2007

التسميات: ,


٢٠ يناير ٢٠٠٧

 

لبنان: شعب صنع حريته


«سيمون عساف»

في اليوم الأخير للحرب، قبيل دخول قرار وقف إطلاق النار حيز النفاذ، كانت لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي «إيهود أولمرت» خطة ظن انه يستطيع أن ينتزع بها النصر من بين فكي الهزيمة.

كان «أولمرت» ينوي نقل آلاف من الجنود المحمولين جواً إلى نهر الليطاني ذي الموقع الاستراتيجي الذي يبعد حوالي 20 ميلاً شمالي خط الحدود بين لبنان وإسرائيل. وكان يريد أن يستولي عندئذٍ على أكبر مساحة من الأرض وألا يسلم هذه المواقع لقوات الأمم المتحدة إلا بعد أن تكون القوات الإسرائيلية قد أنجزت كل ما تريده فيها.

من وجهة النظر العسكرية، كانت الخطة لا غبار عليها، لكن القوة المتحكمة في مصير الحرب كانت تقع خارج سيطرة إسرائيل. كانت هذه القوة هي أغلبية اللبنانيين العاديين.

حين كان الجيش الإسرائيلي يتحرك [لتنفيذ هذه الخطة] في يوم الأحد 13 أغسطس، وجّه تحذيراً إلى السكان من العودة إلى مساكنهم في الجنوب اللبناني. لكن السكان تجاهلوا هذه التحذيرات.

في نفس اللحظة التي بدأ فيها سريان وقف إطلاق النار، وفي مشاهد تُعيد إلى الذاكرة الحركة الجماهيرية التي أجبرت الإسرائيليين على الخروج من الجنوب اللبناني في مايو سنة 2000، كان المهاجرون اللبنانيون يغادرون مئات من مراكز اللجوء. وأخذت كتلة هائلة من البشر في التحرك نحو الجنوب، ولم يكن بوسع الإسرائيليين أن يفعلوا شيئا لوقفها.

غصت الطرق الواقعة جنوب بيروت بالعائلات العائدة التي راحت ترسم بأصابعها علامات النصر في أرتال من السيارات يحمل، بعضها سبعة من الركاب، وترفرف عليها الأعلام – العلم اللبناني إلى جانب علم حزب الله. كانوا يهتفون: "نحن ذاهبون إلى الجنوب. النصر لحزب الله!"

و كانت مجموعات من السكان المحليين قد أخذت في تنظيف الممرات على امتداد الطريق، مزيحة عنها أكوام الكابلات الكهربائية والركام وأسياخ الحديد الملتوية، فلا يلبث أن يتكون رتل جديد من السيارات ليمر من خلال كل ثغرة جديدة تُفتح في أكوم الركام.

لم تكن هناك أية قوات للجيش أو الشرطة على امتداد أميال الطريق المدمّر المؤدي إلى الجنوب. كان أبناء المنطقة هم الذين ينظمون حركة المرور، ويرشدون السيارات لتفادي مواقع الحفر الخطرة، ويدفعون الحافلات لاعتلاء الممرات الرملية حول الكباري المدمّرة.

كان اللاجئون عندما يقتربون من ديارهم، يبدأون في التجمع في أطراف قراهم وأحيائهم السكنية مشكلين مواكب حاشدة. هكذا استعادوا بلداتهم وقراهم، بلدة بعد بلدة وقرية بعد قرية. وحين أحس الإسرائيليون بعجزهم عن مواجهة هذا السيل البشري الجارف، هجروا مواقعهم وأخذوا في الفرار نحو الحدود.

هذا السيل البشري الذي اضطلع بدور حاسم في إحباط الهجوم الإسرائيلي كان ثمرة لحركة جماهيرية غير مسبوقة أخذت تتنامى عبر لبنان بينما القنابل تنهمر كالمطر.

وقد مارست هذه الحركة عملها بمعزل عن أي تنظيم حكومي رسمي، وكان زمام المبادرة فيها في أيدي السكان المحليين في أغلب الأحيان:

الطهاة يتولون العمل في مطابخ الفنادق الكبرى لإطعام عشرات الآلاف من المهجرين..

سكان الأحياء في مناطق اللجوء يتنقلون من بيت إلى آخر ليأتوا منها بالوجبات الساخنة والملابس وحليب الأطفال والبطاطين..

أطباء وفرق للرعاية الطبية يفتحون عيادات مؤقتة..

الشقق الخالية تُفتح لإيواء عائلات اللاجئين.

ظل الإسرائيليون طيلة أكثر من شهر يأملون في إجبار حزب الله على الاستسلام عن طريق ترويع سكان الأحياء الشيعية.

لكن هذه الأحياء كانت قد أُخليت من معظم سكانها. فرغم حدوث وفيات مؤلمة كثيرة بين المدنيين، فإن الطائرات كانت تقصف في الغالب مناطق تكاد تخلو من ساكنيها.

وكانت هذه الحركة الجديدة ذات طابع طبقي أيضا. فمنطقة سوق "الطبقة الراقية"، التي بنيت حديثا في بيروت، أغلقت أبوابها أمام اللاجئين. كما أُغلقت أمامهم أيضا الشبكة الواسعة للملاجئ المبنية تحت الأرض. وكانت المؤن الحكومية من الأغذية والمواد الضرورية مخبأة في أماكن بعيدة أو تُباع بأسعارٍ باهظةٍ.

ومع ذلك، تمكنت المقاومة المدنية من منع حدوث أزمة لاجئين. فقد جرى استيعاب أكثر من مليون لاجئ نزحوا من ديارهم في مدارس ومنتزهات عامة ومساكن خاصة، و وُفر لهم الطعام والملابس والملاذ الآمن بعيدا عن المناطق التي كانت تستهدفها القاذفات الإسرائيلية.

لقد تحوّل النازحون، بفضل الدعم الفعال من جانب الكثير من بسطاء الناس، إلى كتلةٍ منظمةٍ من البشر الغاضبين ولم يعودوا مجرد حشد من اللاجئين اليائسين. وهكذا أصبحت لهم الكلمة الأخيرة في صباح اليوم الذي بدأ فيه وقف إطلاق النار.

وبدلا ًمن أن يتمكن الإسرائيليون من انتزاع النصر الأخير، وجدوا أنهم قد ساقوا أنفسهم إلى مصيدة خطرة: حشود هائلة تتدفق من الشمال بينما ظل المقاتلون من رجال حزب الله يسيطرون على الجنوب.

مع حلول المساء، وصل اللاجئون إلى بلدة «بنت جبيل» الحدودية التي كانت مسرحاً لبعض من أشد مشاهد القتال ضراوة أثناء الحرب. كان الدمار الذي ألحقته القنابل الإسرائيلية بالطرق بشعاً، فاضطروا إلى ترك سياراتهم والسير إلى البلدة على الأقدام.

كلما وجدوا جنوداً إسرائيليين، كانوا يرشقونهم بالحجارة ويصرخون في وجوههم طالبين منهم الرحيل عن أرضهم.

أصبحت بعض الوحدات الإسرائيلية معزولة بينما انسحبت وحدات أخرى إلى الحدود. وتحولت خطة "الزحف إلى الليطاني" إلى هزيمة نكراء للجيش الإسرائيلي.

ولما كان وقف إطلاق النار قد بدأ رسمياً، لم يكن أمام مقاتلي حزب الله سوى مرافقة الوحدات الإسرائيلية المعزولة مخفورةً إلى الحدود.

كان هذا هو الإذلال الأخير لجيش من أقوى جيوش العالم.. الإذلال الذي تلقاه على أيدي الشعب.


عنوان النص الأصلي باللغة الإنجليزية:
Lebanon: Freedom from below
By Simon Assaf
(ترجمة: الشارع السياسي)

١٢ يناير ٢٠٠٧

 

كيف هزم حزب الله إسرائيل (3)


الجزء الثالث: الحرب السياسية

«ألاستير كروك» و«مارك بيري»*

عقب انتهاء الحرب بين إسرائيل وحزب الله، أُجري استطلاع للرأي في مصر طُلب فيه من قطاعٍ مستعرضٍ من مواطني ذلك البلد أن يذكروا أكثر قائدين سياسين يحظيان بإعجابهم. وقد وقع اختيار العدد الأكبر ممن استطلعت آراؤهم على «حسن نصر الله»، بينما حصل الرئيس الإيراني «محمود أحمدي نجاد» على المركز الثاني.

لم تكن نتائج هذا الاستطلاع للرأي تنم فقط عن نبذٍ واضح للرئيس المصري «حسني مبارك»، الذي أعلن منذ بداية الحرب آراءه المناوئة لحزب الله، بل كانت تنبذ أيضاً أولئك القادة السنيين- ومنهم «عبد الله» ملك السعودية و«عبد الله الثاني» ملك الأردن- الذين انتقدوا الجماعة الشيعية في محاولة ظاهرة لإبعاد أهل السنة عن تأييد إيران.

وفي أواخر أغسطس، قال دبلوماسي أمريكي يعمل في المنطقة: "مع نهاية الحرب كان هؤلاء يتهافتون للبحث عن مخرج للنجاة من المأزق. إن أحداً منهم لم يفتح فمه بكلمة في الآونة الأخيرة. هل سمعت أحداً منهم يتكلم؟".

لم يكن «مبارك» وملكا السعودية والأردن هم وحدهم الذين يبحثون عن مخرج من المأزق- بل كانت السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة، ولو بحُكم الأوضاع المتزايدة القسوة لقواتها في العراق، في موقفٍ لا تُحسد عليه هي الأخرى. يؤكد دبلوماسي آخر بلهجة قاطعة: "إن ما يعنيه ذلك هو أن جميع الأبواب مغلقة أمامنا، في القاهرة وفي عمان وفي السعودية. إن قدرتنا على الوصول إليهم أصبحت معطلة. لا أحد يريد أن يرانا. لا أحد يرفع سماعة الهاتف للرد علينا."

بوسعنا، للنفاذ إلى أسباب هذا الانهيار، أن نجد مفتاحاً في مسلك وزيرة الخارجية الأمريكية «كوندوليزا رايس» التي أدى عجزها عن إقناع الرئيس «بوش» بوقف القتال، ووصفها للحرب بأنها "آلام المخاض" لشرق أوسط جديد، إلى الإجهاز على مصداقيتها في واقع الأمر.

وقد أعلنت الولايات المتحدة أنها ستحاول استعادة وضعها بدعم خطة سلام إسرائيلية فلسطينية يجري الإعلان عنها فيما بعد. ولكن استمرار أمريكا في تضييق الخناق على الحكومة الفلسطينية المشكلة ديموقراطياً حوّلَ ذلك الوعد إلى برنامج سياسي مقضي عليه بالموت قبل أن يولد. والسبب في ذلك واضح الآن أشد الوضوح. ففي أثناء الحرب، وفي معرض وصف الانفعالات التي تجتاح الساحة السياسية المصرية، قال أحد المسئولين الأوربيين في القاهرة: "إن القيادة السياسية المصرية تسير على جانب من الطريق بينما يسير الشعب المصري على الجانب الآخر".

إن الفشل الكارثي للجيش الإسرائيلي قد دعم دعاوى إيران الطامحة إلى قيادة العالم الإسلامي، وذلك من وجوه عديدة بالغة الأهمية.

فأولاً، أظهر انتصار حزب الله أن إسرائيل - وأية قوة عسكرية غربية حديثة ومتقدمة تكنولوجيا - يمكن أن تُهزم في قتال مفتوح إذا ما استُخدِمت التكتيكات العسكرية المناسبة وإذا ما أمكن الصمود في القتال لفترة ممتدة. لقد قدّم حزب الله نموذجاً لكيفية هزيمة جيش حديث. وهذه التكتيكات بسيطة: عليك أن تصمد حتى تمر الموجة الأولى للحملة الجوية الغربية، ثم تقوم بنشر قوات صاروخية تستهدف موارد عسكرية واقتصادية رئيسية للعدو، ثم تعود للصمود مرة أخرى حتى تمر حملة جوية ثانية وأشد خطورة، وأن تقوم بعد ذلك بإطالة أمد النزاع لفترة ممتدة. سيضطر العدو في لحظةٍ ما، كما حدث في هجوم إسرائيل على حزب الله، إلى الاستعانة بقوات برية كي تُنجز ما عجزت قواته الجوية عن تحقيقه. في هذه المرحلة الأخيرة والحرجة، يمكن لقوة متفانية، ذات تدريب جيد وقيادة جيدة، أن تُنزل ضربات موجعة بمؤسسة عسكرية حديثة وأن تهزمها.

وثانياً، أظهر انتصار حزب الله لشعوب العالم الإسلامي أن الإستراتيجية التي تنتهجها حكومات البلدان العربية والإسلامية المتحالفة مع الغرب - أي السياسة التي تقوم على استرضاء المصالح الغربية بأمل الحصول على جوائز سياسية ذات شأن ( الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، أسعار مجزية لصادرات الشرق الأوسط، و عدم التدخل في الهياكل السياسية، وانتخابات حرة ونزيهة ومفتوحة) - لا يمكن أن تنجح لا في الحاضر ولا في المستقبل. لقد قدّم حزب الله نموذجاً جديداً ومختلفاً للإطاحة بهيمنة الولايات المتحدة وتقويض مكانتها في المنطقة. فإذا كان غزو العراق وانتصار حزب الله على إسرائيل هما أهم حدثين شهدتهما الفترة الأخيرة في الشرق الأوسط، فإن أهمية الحدث الثاني [أي انتصار حزب الله] أكبر بكثير. فالجماعات الأخرى المعادية لحزب الله، بل والجماعات المرتبطة بحركات المقاومة السنية الثورية التي تعتبر الشيعة طائفة "مارقة"، قد فقدت الكثير من مكانتها.

وثالثاً، فقد كان لانتصار حزب الله أثر ساحق على حلفاء أمريكا في المنطقة. لقد كان بوسع حزب الله، في تقدير مسئولي المخابرات الإسرائيلية، مواصلة الحرب لمدة ثلاثة شهور أخرى بعد انتهائها في منتصف أغسطس. وإذا كانت تقديرات حزب الله تؤكد هذه النتيجة التي توصلت إليها إسرائيل فان أحداً لا يستطيع أن يجزم بأنه كان بوسع حزب الله أو القيادة الإيرانية التنبؤ بالمسار الواجب اتخاذه بعد انتصار حزب الله. وبينما قامت المخابرات الأردنية بتطويق أية مظاهرات مناصرة لحزب الله، كانت المخابرات المصرية تحاول جاهدة رصد السخط الشعبي المتزايد إزاء الغارات الإسرائيلية على لبنان.

إن التأييد السافر لحزب الله على امتداد العالم العربي (ومن الغريب انه شمل حمل صوّر لـ«حسن نصر الله»، قائد حزب الله، وسط تجمعاتٍ مسيحيةٍ مؤيدةٍ له) قد وضع الحكامَ العرب الأقرب إلى الولايات المتحدة في موضع الحيطة والحذر، فقد كان أي تدهور جديد في مركزهم كفيلاً بإضعاف سيطرتهم على شعوبهم. ومن هنا، فمن المرجح جداً ألا يمنح «مبارك» وملكا السعودية والأردن تأييدهم لأي برنامج أمريكي لفرض ضغوط اقتصادية أو سياسية أو عسكرية على إيران. فشن حرب أخرى - ربما اتخذت صورة حملة عسكرية أمريكية على المواقع النووية الإيرانية - قد لا يؤدي إلى الإطاحة بحكومة طهران، لكنه سيؤدي على الأرجح إلى الإطاحة بحكومتي مصر والأردن وربما بحكومة السعودية أيضاً.

في لحظةٍ فارقةٍ من الصراع بين إسرائيل وحزب الله، وبينما كانت الحرب تدنو من نهايتها، أخذ قادة الحركات الإسلامية في عدد من البلدان يتساءلون عما إذا كان بوسعهم الاستمرار في السيطرة على جماهيرهم، أم أن عليهم أن يتركوا قياد العمل السياسي لأيدي القادة والثوريين في الشارع. إن الفكرة الأبرز الشائعة الآن في دوائر المخابرات بالولايات المتحدة تقول إن إسرائيل (وليس حزب الله) هي التي كانت تبحث، ابتداء من العاشر من أغسطس، عن مخرج من الحرب.

ورابعاً، فان انتصار حزب الله قد أضعف الحكومة الإسرائيلية على نحو خطير. ففي أعقاب الحرب التي خسرتها إسرائيل في عام 1973 قرر رئيس الوزراء «مناحم بيجين» أن يقبل السلام الذي عرضه عليه الرئيس المصري «أنور السادات». لكن التقدم الذي تحقق حينذاك كان، في واقع الأمر، متواضعاً. ذلك أن كلا الطرفين كان حليفاً للولايات المتحدة. ولن يحدث تقدم من هذا القبيل بين إسرائيل وحزب الله.

إن إسرائيل تعتقد أنها فقدت قدراتها الرادعة وأن عليها أن تستردها. وهناك من المسئولين الإسرائيليين العاملين في واشنطن من يؤكد أن السؤال المطروح الآن ليس "إذا" ما كانت إسرائيل ستقدم على شن الحرب مرة أخرى ولكنه "متى" ستقوم بذلك. على أنه من الصعب أن نحدد كيف تستطيع إسرائيل أن تفعل ذلك. فلكي تقاتل إسرائيل حزب الله وتنتصر عليه، لابد لها من إعادة تدريب جيشها وتجهيزه. سيكون على إسرائيل، كما فعلت الولايات المتحدة بعد قارعة فيتنام، أن تعيد هيكلة قيادتها العسكرية وبناء أجهزة مخابراتها. وهذا أمر يحتاج إلى سنوات وليس إلى شهور.

ربما عمدت إسرائيل في عملياتها المقبلة إلى نشر أسلحة أكبر ضد أهداف أوسع نطاقا. وفي ضوء أدائها في لبنان، فانه لا يمكن استبعاد أن يُواجه هذا الاستخدام لأسلحةٍ أكبر بردٍ أكثر قوة من الطرف الآخر. ومن المرجّح أن شن الولايات المتحدة لهجوم على المنشآت النووية الإيرانية سوف يُواجه بشن هجوم صاروخي إيراني على منشآت إسرائيل النووية وعلى المراكز السكانية الإسرائيلية. وليس بوسع أحد أن يتنبأ بالكيفية التي سترد بها إسرائيل على مثل هذا الهجوم، لكن من الواضح (في ضوء الموقف الذي اتخذه «بوش» في الحرب الأخيرة) أن الولايات المتحدة لن تفعل شيئا لوقفه. ومن المؤكد أن "البيت الزجاجي" لمنطقة الخليج الفارسي سوف يتحول عندئذ إلى شظايا بعد أن تستهدفه الصواريخ الإيرانية.

وخامساً، فان انتصار حزب الله يعني نهاية أي أمل في حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني على الأقل في الأجلين القصير والمتوسط. فحتى الشخصيات الإسرائيلية التي تُوصف عادة ب"التقدمية" قد قوّضت مركزها السياسي حين دعت بملء الصوت إلى استخدام المزيد من القوة والمزيد من القوات والمزيد من القنابل. وقد وبّخ الرئيس الفلسطيني «محمود عباس»، في اجتماعاته الخاصة مع حلفائه السياسيين، أولئك الذين أعربوا عن ابتهاجهم لانتصار حزب الله ونعتهم ب "مؤيدي حماس" و "أعداء إسرائيل". وموقف عباس أكثر هشاشة بكثير من موقف «مبارك» وملكي السعودية والأردن. فالفلسطينيون مستمرون في تأييد حماس، بينما يستمر هو في الاتفاق بخنوع مع «جورج بوش» الذي طلب منه،[أثناء لقائه به] على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، أن يضع حداً لجميع المحاولات الرامية لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع مواطنيه الفلسطينيين.

وسادساً، فقد أسفر انتصار حزب الله عن نتيجة بالغة السوء هي إعماء القيادة السياسية الإسرائيلية عن حقيقة وضعها الجيو-ستراتيجي. ففي غمرة الحرب مع لبنان، تبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي «إيهود أولمرت» لغة «بوش» عن "الحرب على الإرهاب" مذكّراً مواطنيه بأن حزب الله جزء من "محور الشر". ولقي هذا الموقف دعماً من «بوش» الذي تعرض، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خمس مرات لكلٍ من حماس وحزب الله في حين لم يذكر اسم منظمة القاعدة سوى مرة واحدة. وهكذا تضع الولايات المتحدة وإسرائيل جماعاتٍ إسلامية ترغب في المشاركة في العمليات السياسية في بلدانها في سلةٍ واحدةٍ مع أولئك التكفيريين والسلفيين الذين لا همّ لهم سوى تأجيج النار في المنطقة.

يُضاف إلى ذلك انه لم يعد بوسع إسرائيل الآن الاعتماد على أقوى مؤيديها في الولايات المتحدة، أي على شبكة المحافظين الجدد الذين تمثل إسرائيل في نظرهم واحة الاستقرار والديموقراطية في المنطقة. فعدم رضا أولئك المحافظين الجدد عن أداء إسرائيل كان واضحاً بما لا يكاد يقبل الشك. ومع أصدقاء من هذا النوع، من يرغب أن يكون له أعداء؟ معنى هذا أن الحرب الإسرائيلية في لبنان تعبّر بدقة عن رأي الخبراء الذين اعتبروا الحرب بين إسرائيل وحزب الله حرباً بالوكالة. يقول زميلنا «جف ارونسن»: "لو كان الأمر بيد الولايات المتحدة وحدها لظلت إسرائيل تحارب حتى الآن. ويضيف: "إن الولايات المتحدة سوف تخوض حربها على الإرهاب لآخر قطرة من الدم الإسرائيلي".

إن الضعف المستمر للقيادة العسكرية الإسرائيلية وعدم إدراكها لمدى عمق الهزيمة التي حاقت بها، لابد أن يكونا مبعث قلق عميق للولايات المتحدة ولكل دولة عربية. فقد برهنت إسرائيل من قبل على قدرتها على تشكيل إستراتيجية دبلوماسية خلاقة وعلى المناورة بمهارة لاستعادة مكانتها. كما برهنت على قدرتها على القيام، في أعقاب هزيمة عسكرية، بعملية أمينة وشفافة لمراجعة النفس. وتمثلت قوة إسرائيل دائما في قدرتها على طرح مناقشة عامة، حتى حين تثير هذه المناقشة شكوكاً في أقدس مؤسسة لديها وهي جيش الدفاع الإسرائيلي. وفي لحظات حاسمة في التاريخ الإسرائيلي أدت الهزيمة إلى تفكير متعمق، ولم تؤدِ - كما يبدو من المرجح الآن - إلى هجمة عسكرية متصاعدة ضد حماس - الأخ الناشز عن القطيع في الشرق الأوسط - لمجرد إظهار مدى جبروتها.

منذ فترة قصيرة قال أحد المسئولين الإسرائيليين: "إن كون انتصار حزب الله قد عمّق الراديكالية في الشرق الأوسط هو سبب وجيه لقتل المزيد منهم". وهذا مسلك من شأنه أن يقود إلى الكارثة. ففي ضوء العجز الأمريكي عن تغيير مجريات الأمور في الشرق الأوسط، يراود البعض في واشنطن أملٌ في أن يبدي أولمرت من الشجاعة السياسية ما يجعله يشرع في عملية طويلة للتوصل إلى السلام. وهذه العملية ستكون مؤلمة، وستقتضي مناقشات طويلة وصعبة، وربما اقتضت أيضاً انفصالاً عن البرنامج الأمريكي للمنطقة. لكن الولايات المتحدة لا تعيش في المنطقة وإسرائيل تعيش فيها. وإذا كان إجراء إسرائيل لحوار مع جيرانها قد يكون مؤلماً، فانه سيكون أقل إيلاماً، بما لا يقاس، من خسارتها لحرب في لبنان.

وسابعاً، فقد تعزز وضع حزب الله داخل لبنان على نحو يتجاوز أي قياس، كما تعزز وضع أهم حلفائه. ففي ذروة الحرب، استضاف مسيحيون لبنانيون لاجئين من [عائلات] حزب الله في بيوتهم. وأعلن الزعيم المسيحي «ميشيل عون» تأييده للقتال الذي يخوضه حزب الله. وقال أحد قادة حزب الله: "لن ننسى أبداً ما صنعه هذا الرجل من أجلنا وما قدمه من أجل جيلٍ كامل". ويحظى موقف «عون» بالإشادة من جانب الشيعة كما أن وضعه السياسي قد تعزز.

أما القيادة السنية فقد قوّضت مكانتها على نحو قاتل بموقفها الملتبس وبتعاملها مع الطائفة السنية من منظور السيد الإقطاعي الغائب عن أملاكه. ففي الأسبوع الأول من الحرب، قوبلت تصرفات حزب الله بتشكك واسع الانتشار. وفي نهاية الحرب كان التأييد الذي يلقاه راسخا واتسع عبر لبنان متجاوزا التقسيمات السياسية والطائفية. وتجد القيادة السنية نفسها الآن بين خيارين: إما تشكيل حكومة وحدة مع قادة جدد بما يؤدي إلى قيام حكومة أكثر تمثيلا وإما الدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة. ولا يحتاج المرء إلى عبقرية سياسية لكي يدرك الموقف الذي سيختاره «سعد الحريري» زعيم الأغلبية في البرلمان اللبناني.

وثامناً، فقد تعزز وضع إيران في العراق إلى حد كبير. ففي غمرة الحرب في لبنان، أعرب وزير الدفاع الأمريكي «دونالد رمسفيلد» لبعض المقربين عن قلقه من أن يؤدي الهجوم الإسرائيلي [في لبنان] إلى نتائج وخيمة للقوات الأمريكية في العراق التي كانت تواجه عداء متزايدا من القادة الشيعة والسكان الشيعة. وقد أدلت «كوندوليزا رايس» بتصريحات قالت فيها إن المظاهرات المؤيدة لحزب الله في بغداد مدبرة من إيران، الأمر الذي يكشف عن جهلها بأبسط الحقائق السياسية في المنطقة. إن وزيرة الخارجية ووزير الدفاع الأمريكيين كانا ببساطة، ودون دراية منهما، يجهلان وجود أية علاقة بين الصدريين في بغداد و "الصدريين" في لبنان. لقد كان لموقف رئيس الوزراء العراقي، «نوري المالكي»، حين لم يعلن خلال الحرب وأثناء زيارة رسمية لواشنطن، عن إدانته لحزب الله ووقوفه إلى جانب إسرائيل، وقع الصدمة على القيادة السياسية الأمريكية، وذلك على الرغم من أن "حزب الله في العراق" هو أحد الأحزاب المشاركة في الحكومة الائتلافية الحالية في العراق.

لا البنتاجون ولا وزارة الخارجية الأمريكية كانا، فيما علمنا، على درايةٍ بالأثر الذي قد تحدثه الحرب في لبنان على وضع أمريكا في العراق، لأن أياً من هاتين الوزارتين لم تطلب من أجهزة المخابرات الأمريكية إمدادها بمعلومات حول هذه المسألة. إن الولايات المتحدة تنفق مليارات الدولارات سنويا لجمع المعلومات الاستخبارية وتحليلها، ولكن هذا المال يذهب سدى.

وتاسعاً، فان مركز سوريا قد تعزز في حين فشل البرنامج الأمريكي- الفرنسي للبنان. فليس ثمة دلائل في الأفق توحي بأن لبنان سوف يشكّل حكومة موالية لأمريكا ومعادية لسوريا بشكل سافر. وكون الرئيس السوري، «بشار الأسد»، قد استطاع أن يقترح في أعقاب الحرب ترتيباً سياسياً مع إسرائيل، فان هذا دليل قوة لا دليل ضعف. وليس من المستبعد أيضاً أن يتمكن [«بشار الأسد»] من استخلاص الدروس الصحيحة من الحرب، وأن يعتقد انه قادر، هو الآخر، على مواجهة إسرائيل بنجاح.

ولكن بصرف النظر عن هذه الاحتمالات، فان الأحداث التي جرت في الآونة الأخيرة تبين أن آلافاً من الطلاب والوطنيين اللبنانيين الذين خرجوا للاحتجاج على التورط السوري في لبنان بعد مقتل «رفيق الحريري»، قد استشعروا غرابة المفارقة حين وجدوا أنفسهم يحتمون من القصف الإسرائيلي في مخيمات أقامتها الحكومة السورية. لقد أصابت «رايس» في أمر واحد هو قولها إن قيام سوريا بتوفير ملاذ للاجئين اللبنانيين كان مجرد عمل من أعمال الدهاء السياسي - عمل يبدو أن الولايات المتحدة عاجزة عن محاكاته. إن سوريا واثقة الآن من وضعها السياسي. وفي حقبة سابقة، كان وجود مثل هذه الثقة عند إسرائيل يدفعها إلى طرح مبادرات سياسية تجاه أكثر أعدائها السياسيين تشددا.

وعاشراً، وربما كان هذا هو الأمر الأهم، فقد غدا من الواضح الآن أن قيام الولايات المتحدة بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية لن يلقى سوى تأييد ضئيل من العالم الإسلامي. ومن المرجح أن يؤدي أيضاً إلى رد عسكري يطيح بالبقايا الأخيرة للقوة السياسية الأمريكية في المنطقة. فالأمر الذي كان يُظن انه "حقيقةٌ مفروغٌ منها" منذ بضعة أسابيع قد غدا من الواضح الآن انه بعيد الاحتمال. فإيران لن تُجبر على الإذعان. وإذا شنت الولايات المتحدة حملةً عسكرية على حكومة طهران، فسوف ينحدر أصدقاء أمريكا في المنطقة إلى مأزق شديد الخطورة، سوف ترتعد دول الخليج العربية خوفاً، وسيتحول ال 138 ألف جندي أمريكي في العراق إلى رهائن في أيدي السكان الشيعة الممتلئين غضبا، وسوف ترد إيران بشن هجوم على إسرائيل. بوسعنا الآن أن نتجاسر فنقول ما أصبح واضحا: إذا ما حدث هذا الهجوم فان الولايات المتحدة سوف تُهزم.

الخلاصة

إن دلالة انتصار حزب الله في حربه الأخيرة مع إسرائيل أكبر بكثير جداً مما تدرك الولايات المتحدة وأوربا. فقد جاء انتصار حزب الله ليعكس اتجاه المد [الإسرائيلي] في عام 1967 - حين مُنيت مصر وسوريا والأردن بهزيمة ساحقة أدت إلى زلزلة الكيانات السياسية في المنطقة ومجيء أنظمة لا هَمّ لها سوى إعادة تشكيل سياستها الخارجية بما يلائم القوة الإسرائيلية والأمريكية. إن تلك القوة قد أصيبت في مكانتها وانتكست، وهناك الآن قيادة جديدة تبزغ في المنطقة.

إن الدرس الأهم المستخلص من الحرب قد يغيب عن المستويات الرفيعة للنخب السياسية في واشنطن ولندن - تلك النخب المؤيدة لإسرائيل والتي تقول إنها تدافع عن القيم و تحارب من أجل الحضارة - ولكنه لا يغيب عن شوارع القاهرة وعمان ورام الله وبغداد ودمشق وطهران. لقد حاربت الجيوش العربية ستة أيام في عام 1967 وهُزمت، وقاتلت ميلشيا حزب الله في لبنان 34 يوما وانتصرت. وقد رأينا هذا بأعيننا في مقاهي القاهرة وعمان، حيث كان البسطاء من أصحاب الدكاكين والفلاحين والعمال يحملقون في شاشات التليفزيون ليتابعوا نشرات الأخبار بينما يرشفون الشاي ويواصلون بهدوء - وكأنما يكلّمون أنفسهم- إحصاء الأرقام: "سبعة"، "ثمانية"، "تسعة"....
____________________________
ألاستير كروك» و«مارك بيري» هما مديرا «منتدى النزاعات». «كروك» مسئول سابق في المخابرات البريطانية (MI6) ومستشار شئون الشرق الأوسط السابق لـ«خافيير سولانا»، الممثل الأعلى للإتحاد الأوروبي. أما «بيري» فهو محلل وكاتب متخصص في شئون العسكرية والاستخباراتية وشئون السياسية الخارجية ومؤلف لعدة كتب عن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.

عنوان النص الأصلي باللغة الإنجليزية:
HOW HEZBOLLAH DEFEATED ISRAEL
PART 3: The political war

By Alastair Crooke and Mark Perry
(ترجمة: الشارع السياسي)

الجزء الأول: الانتصار في حرب المخابرات
الجزء الثاني: الانتصار في الحرب البرية

٠٨ يناير ٢٠٠٧

 

كيف هزم حزب الله إسرائيل (2)


الجزء الثاني: الانتصار في الحرب البرية

«ألاستير كروك» و«مارك بيري»*

دبابتا ميركافا إسرائيليتان مشتعلتان في جنوب لبنان


كان قرار إسرائيل بشن حرب برية - تحقق ما فشل سلاحها الجوي في تحقيقه - مشوبا بالتردد والعشوائية. فبينما كانت وحدات جيش الدفاع الإسرائيلي تشن هجمات خاطفة على جنوب لبنان أثناء الأسبوع الثاني من الحرب، لم تكن القيادة العسكرية الإسرائيلية قد حسمت قراراها بعد حول موعد ومواقع نشر وحداتها البرية - بل لم تكن قد حسمت بعد إذا ما كانت ستنشر هذه القوات أم لا تنشرها.

وكانت حيرة الجيش {الإسرائيلي}، حول زمان ومكان وجدوى نشر وحداته البرية الرئيسية، ترجع جزئياً إلى إدعاءات سلاح الجو بالنصر. فقد ظل سلاح الجو الإسرائيلي يدعي، يوما بعد يوم، أنه سينجح {في تحقيق النصر} من الجو في غضون يوم واحد، ثم يعود في اليوم التالي ليطلب يوما آخر. وانعكست هذه الحيرة على وسائل الإعلام الغربية بدورها، فكانت عاجزة عن القطع بموعد شن الهجوم البري أو إذا ما كان هذا الهجوم قد بدأ فعلا ًدون دراية منها.

واستمر كبار الضباط الإسرائيليين في التصريح لمعارفهم من الصحفيين بأن موعد الهجوم البري هو سر في طي الكتمان بينما كانوا هم أنفسهم، في الحقيقة، لا يدرون شيئا عن هذا الموعد. و كان التردد راجعاً أيضاً إلى تجربة وحدات الجيش الإسرائيلي الصغيرة التي كانت قد اخترقت الحدود. فقد أبلغت وحدات الجيش الإسرائيلي الخاصة، العاملة في جنوب لبنان، قادتها مبكراً ومنذ 18 يوليو أن وحدات حزب الله تخوض قتالاً شرساً للاحتفاظ بمواقعها على خط الحافة الأول المطل على إسرائيل.

هنا اتخذ رئيس الوزراء «إيهود أولمرت» قراراً سياسياً باستخدام كل ما لدى الجيش الإسرائيلي من قوة لهزيمة حزب الله، في نفس الوقت الذي كان فيه كبار مساعديه يبدون استعداد إسرائيل للقبول بوقف لإطلاق النار ونشر قوة دولية. أصر «أولمرت» أن إسرائيل يجب ألا تفصح عن نواياها - فهي قد تقبل نشر قوة تابعة للأمم المتحدة ولكن فقط كخيار أخير.

قرر «أولمرت» أن إسرائيل ستقول، بدايةً، أنها ستقبل بقوة تابعة لحلف الأطلنطي (الناتو). وانسجاماً مع هذه الإستراتيجية جرى استدعاء قوات الاحتياط إلى الجبهة في 21 يوليو. وكان هذا الاستدعاء المفاجئ (كان المفترض أن يحاول الجيش الإسرائيلي أولا هزيمة حزب الله من الجو، فإن لم ينجح فباستخدام القوات النظامية دون استدعاء للاحتياطي) هو الذي جعل نشر الاحتياطي يبدأ بعجلة ودون تنسيق. (نكرر هنا مرة أخرى أن إسرائيل، على الأرجح، لم تكن تعتقد أنها ستضطر إلى استدعاء قوات الاحتياطي خلال الحرب وإلا كانت استدعتها قبل ذلك بكثير).

علاوة على ذلك، فقد فاجأ قرار استدعاء الاحتياطي ضباط احتياط كبار أساسيين، وهم عادةً أول من يتم إبلاغه بقرارات الاستدعاء الوشيكة. وكان التعامل مع استدعاء الاحتياطي فوضوياً وتجلى ذلك في تأخر "ذيل" الدعم اللوجيستي ما بين 24-48 ساعة بعد نشر قوات الاحتياطي.

وجاء قرار الاستدعاء في 21 يوليو ليعطي إشارة واضحة لرجال الإستراتيجية العسكرية في البنتاجون على أن الحرب الإسرائيلية لم تكن تتقدم بصورة جيدة. وهو ما يساعد أيضا في تفسير وصول قوات الاحتياط الإسرائيلية إلى الجبهة بدون المعدات الضرورية ودون خطة قتالية محكمة وبدون الذخائر اللازمة لمواصلة القتال. (ظلت إسرائيل تحاول بمشقة، على مدار الحرب، توفير دعم كاف لقواتها الاحتياطية: فالطعام والذخيرة، وحتى إمدادات المياه، كانت تصل بعد 24-48 ساعة كاملة من وصول أي من وحدات الاحتياط إلى مناطق الانتشار الشمالية المخصصة لها)

لمس المراقبون العسكريون آثار ذلك على الفور. فقال قائد عسكري أمريكي كبير سابق: "بدت القوات الإسرائيلية غير مستعدة ورخوة وفاقدة للروح المعنوية". وأضاف: "لم يكن هذا جيش الدفاع الإسرائيلي المزهو بنفسه الذي رأيناه في الحروب السابقة".

وتماشياً مع خطة «أولمرت» السياسية، أخذ هدف الجيش الإسرائيلي، المتمثل في القضاء الكامل على حزب الله، يتراجع بصورة ملحوظة. ففي اليوم التالي لاستدعاء الاحتياطي، كان العميد «أيدو نيهوشتان»، عضو قيادة الأركان في إسرائيل، يقول: "هناك خط واحد يقع بين أهدافنا العسكرية وأهدافنا السياسية"، ويضيف: "الهدف ليس بالضرورة تدمير كل صاروخ لدى حزب الله. ولكن ما علينا فعله هو الإطاحة بالمنطق العسكري لحزب الله. وأعتقد أن هذا الهدف بحاجة إلى ما هو أكثر من بضعة أيام".

كانت هذه، قطعاً، طريقة عجيبة لعرض إستراتيجية عسكرية: شن حرب من أجل "الإطاحة بالمنطق العسكري" للعدو. وكان لتصريح «نيهوشتان» أثر مخيف على قادة الجيش الإسرائيلي الميدانيين الذين حيرهم التساؤل عن ماهية أهداف الحرب على وجه التحديد. لكن بعض قادة الجيش الإسرائيلي الآخرين كانوا متفائلين، فبينما فشل سلاح الجو الإسرائيلي في إيقاف هجمات صواريخ حزب الله على المدن الإسرائيلية، فإن عدد الصورايخ الذي أطلق على إسرائيل ما بين 19-21 يوليو كان أقل من أي وقت آخر (كان عدد الصواريخ التي أُطلقت يوم 19 يوليو قليلا جدا، وربما لم يتعد العدد 40 صاروخاً في 20 يوليو و 50 صاروخا في 21 يوليو).

شهد يوم 22 يوليو أيضاً أول رد فعل عسكري للولايات المتحدة تجاه الحرب. فقد تلقى البيت الأبيض، في ساعة متأخرة من نهار 21 يوليو، طلباً من «أولمرت» والجيش الإسرائيلي للتزود بكميات كبيرة من الذخائر الموجهة بدقة - وهو دليل آخر ينم عن فشل سلاح الجو الإسرائيلي في مهمته للنيل من قدرات حزب الله العسكرية خلال الجولات الافتتاحية للحرب.

تمت الموافقة على الطلب بسرعة، وبدأ شحن الذخائر إلى إسرائيل في صباح يوم 22 يوليو. وقد أثارت هذه الشحنة استياء مسئولين كبار في البنتاجون حيث كانت تعني أن إسرائيل قد استنفذت معظم ذخيرتها في العشرة أيام الأولى للحرب - وهو إسراف هائل في استهداف المواقع أوحي بأن إسرائيل قد تخلت عن القصف التكتيكي لمقدرات حزب الله وأنها تتأهب للانقضاض على ما تبقى من بنية لبنان التحتية، وهذه إستراتيجية لم تنجح أثناء الحرب العالمية الثانية حينما دمرت الولايات المتحدة وبريطانيا 66 مركزاً من مراكز الكثافة السكانية الأساسية في ألمانيا دون أي تأثير يذكر سواء على معنويات ألمانيا أو قدراتها العسكرية.

ورغم أن التبرم في البنتاجون كان ضئيلا، فقد لاحظ أحد الضباط المتقاعدين أن شحنة الذخائر الأمريكية إلى إسرائيل تعيد إلى الذاكرة طلبا مشابها تقدمت به إسرائيل في عام 1973 - في ذروة حرب «يوم كيبور» {حرب أكتوبر}. قال هذا الضابط ساعتها: "هذا يعني شيئاً واحداً فقط هو أن ظهرهم للحائط".

وبالرغم من الشكوك العميقة التي كانت تساور كبار القادة العسكريين الأمريكيين في كفاءة الرد الإسرائيلي (وهي شكوك كانت، برغم عدم الإفصاح عنها علنا، عميقة ومؤثرة - بل امتدت لتصل إلى أعلى مستويات سلاح الجو الأمريكي) فإن هؤلاء القادة أبقوا أرائهم بعيداً عن الرأي العام. وكان السبب وجيها: فقد أدى انتقاد إسرائيل لطلبها شحنة أسلحة أثناء حرب 1973 إلى استقالة الجنرال «جورج براون»، رئيس قيادة الأركان المشتركة في ذلك الحين. و كان الذي أثار سخط «براون» حينذاك هو إرسال أسلحة وذخائر أمريكية إلى إسرائيل في وقت كان فيه القادة العسكريون الأمريكيون في ڤيتنام يحتجون على نقص الإمدادات في حربهم في جنوب شرق آسيا.

رئيس قيادة الأركان المشتركة الحالي «بيتر باس»، الذي بقي صامتاً بصورة ملحوظة أثناء الحرب بين إسرائيل وحزب الله، وعى درس التاريخ جيداً، "فأدى التحية العسكرية" {أي أطاع أوامر القيادة السياسية} والتزم الصمت. لكن قيادة الأركان المشتركة وكبار القادة العسكريين لم يكونوا المسئولين الأمريكيين الوحيدين الذين أقلقهم الأداء الإسرائيلي. فبينما كانت المؤن الأمريكية تحلق في طريقها إلى إسرائيل (عبر مطار بريستويك في اسكتلندا)، كان مسئولو الاستخبارات يجرون تقييما أوليا لحصيلة الأيام الأولى للحرب. وأشار واحد منهم إلى استمرار قناة «المنار» في بث برامجها من بيروت برغم الهجوم الجوي الإسرائيلي المتواصل وبرغم تدمير سلاح الجو الإسرائيلي لأبراج بث الشبكات التليفزيونية الرئيسية الأخرى بلبنان. (وسيبقى الأمر على هذه الحال على مدار الحرب، فقناة «المنار» لم تتوقف أبداً عن البث) فأي فعالية كانت إذن للحملة الجوية الإسرائيلية إذا كانت قد عجزت حتى عن القضاء على بث قناة تليفزيونية؟

دبابة ميركافا إسرائيلية محطمة في جنوب لبنان
كان الغرض من استدعاء الاحتياطي الإسرائيلي هو تعزيز القوات التي كانت تقاتل بالفعل في جنوب لبنان وزيادة ثقل الهجوم البري. وفي 22 يوليو، خاضت وحدات حزب الله من لواء «نصر» قتالا من شارع إلى شارع ضد الجيش الإسرائيلي في بلدة «مارون الراس». وبينما ادعى الجيش الإسرائيلي في نهاية اليوم الاستيلاء على البلدة، لم تكن البلدة قد سقطت. لم يتزحزح رجال حزب الله عن مواقعهم رغم ضراوة القتال. فكثير من جنود لواء «نصر» كانوا قد قضوا أياما عديدة في انتظار الهجوم الإسرائيلي، وبفضل قدرة حزب الله على اعتراض الاتصالات الجيش الإسرائيلي العسكرية وجد الجنود الإسرائيليون أنفسهم يناطحون وحدات تحتمي بمواقع محصنة جيداً.

ظلت سرايا الجيش الإسرائيلي عاجزة عن تطويق المدافعين حيث ووجهت بضربات مضادة من الناحية الغربية للمدينة. وقامت وحدات خاصة للمطاردة والقنص، يضم كل منها ثلاثة رجال، تابعة للواء «نصر» بتدمير عدة آليات مدرعة إسرائيلية أثناء القتال مستخدمة صواريخ خفيفة مضادة للدبابات يدوية الصنع. قال الملازم الثاني «أيلاي تالمور» وعلامات الإرهاق بادية عليه: "كنا نعرف أنهم سيفعلون هذا. فهم يقولون هذه أرضنا ونحن كنا سنفعل الشيء نفسه لو دخل أي أحد إلى بلدنا".

وبينما ظل الجيش الإسرائيلي يؤكد أن توغلاته ستبقى "محدودة المدى" على الرغم من استدعاء الآلاف من جنود الاحتياط، بدأت كتائب من الجيش الإسرائيلي في التشكل جنوب الحدود. أدلى «آڤي بازنر»، وهو متحدث رفيع المستوى باسم الحكومة الإسرائيلية، بتصريح قال فيه: "نحن لا نستعد لغزو لبنان". ووصف الجيش الإسرائيلي حينها «مارون الراس» بأنها "أول موطئ قدم" له في جنوب لبنان. وقال «بازنر»: إن تضافر القوات الجوية والمدفعية والقوات البرية سوف يدفع حزب الله للتقهقر من دون أن نصل إلى مرحلة يكون علينا فيها أن نغزو ونحتل".

هكذا تم التمييز بين "دفع" قوة إلى التراجع وبين غزو واحتلال بلدة، وكانت هذه إشارة واضحة أخرى استنتج منها الخبراء العسكريون الأمريكيون أن الجيش الإسرائيلي يستطيع الدخول إلى أي بلدة ولكنه لا يستطيع احتلالها. وقد شبّه ضابط أمريكي كبير، ملم بالتاريخ العسكري الأمريكي، هجمات الجيش الإسرائيلي الخاطفة في جنوب لبنان بالهجوم الدموي لـ «روبرت إي لي» على مواقع الاتحاد في «جيتيسبرج» ببنسلفانيا أثناء الحرب الأهلية الأمريكية، إذ قال أحد مساعدي «لي» حينذاك: "ليس في الوصول إلى هناك أي مشكلة، إنما المشكلة هي في البقاء هناك".

وتؤكد تقارير قادة حزب الله العسكريين الصادرة بعد المعركة أن قوات الجيش الإسرائيلي لم تتمكن أبداً من التأمين الكامل للمنطقة الحدودية وأن «مارون الراس» لم تسقط بكاملها في أي وقت من الأوقات. ولم يشعر حزب الله أبداً بالحاجة إلى استدعاء احتياطيه كما فعلت إسرائيل. يقول خبير عسكري بالمنطقة: "قاتل حزب الله الحرب كلها بلواء واحد مكون من 3000 جندي فقط"، ويضيف: "لواء «نصر» خاض المعركة كلها دون أن يشعر حزب الله في أي لحظة بالحاجة إلى تعزيزه".

أبرزت تقارير لبنانية هذه النقطة. فقد اكتشف القادة العسكريون لحزب الله، لفرط دهشتهم، أن الجنود الإسرائيليين يفتقرون للنظام والانضباط. وحسب مراقبين لبنانيين كان لواء «جولاني» هو الوحدة الإسرائيلية الوحيدة التي كان أدائها يرقى إلى المقاييس. كان الجيش الإسرائيلي "خليطا متنافرا (a motley assortment)" حسب مسئول لديه معرفة عميقة بالتعبيرات الشعبية الأمريكية وأضاف: "لكن هذا ما يحدث عندما تُمضي أربعة عقود في إطلاق الأعيرة المطاطية على النساء والأطفال في الضفة الغربية وغزة".

انزعج قادة الجيش الإسرائيلي أيضاً من أداء قواتهم ولاحظوا الافتقار الصارخ إلى الانضباط حتى بين أفضل الجنود تدريباً. أما قوات الاحتياط فكانت أسوأ مما جعل قادة الجيش الإسرائيلي يترددون في إدخالها إلى المعركة.

ما إن جاء يوم 25 يوليو، حتى كانت إستراتيجية «أولمرت» - للتراجع عن الهدف المعلن بتدمير حزب الله - تُنَفَذ على قدم وساق. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي «عمير بيريتس» هو من حمل هذه الأنباء حيث قال يومئذ إن هدف إسرائيل الراهن هو إنشاء "حزام أمني" في جنوب لبنان. وترافقت كلماته هذه مع التهديد: "إذا لم تأتِ قوة متعددة الجنسيات للسيطرة على الحدود فسنستمر في السيطرة عليها بالسلاح ضد كل من يقترب من منطقة الحزام الأمني المحددة. وسيعرفون عندئذ أنهم سيتعرضون للأذى".

اختفى إذن، فجأةً، إدعاء إسرائيل بأنها ستدمر حزب الله. واختفى أيضاً إدعاؤها بأنها ستقبل فقط بقوات من الناتو لحفظ السلام على الحدود. في يوم 25 يوليو أيضا صرحت إسرائيل أن «أبو جعفر»، القائد في "القطاع الأوسط" لحزب الله على الحدود اللبنانية، قُتل "في تبادل لإطلاق النار" مع جنود إسرائيليين قرب قرية «مارون الراس» الحدودية - والتي لم تكن قد سقطت بعد. وكان ذلك التصريح عارياً من الصحة حيث أدلى «أبو جعفر» بأحاديث علنية بعد انتهاء الحرب.

في أعقاب ذلك، قبل أن ينقضي يوم 25 يوليو، وأثناء زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية «كونداليزا رايس» إلى القدس، بدأ الجيش الإسرائيلي في القتال لفتح الطريق إلى «بنت جبيل» مطلقاً عليها "عاصمة إرهاب حزب الله". و استمر القتال للسيطرة على «بنت جبيل» تسعة أيام، ولكنها بقيت حتى نهاية الحرب في أيدي حزب الله. بعد هذه الأيام التسعة كان الدمار قد حاق بالمدينة في حين استطاع مقاتلو حزب الله النجاة من غارات القصف الجوي والمدفعي المتكررة بالانسحاب إلى مخابئهم أثناء اشتداد القصف الجوي والمدفعي والظهور فقط كلما حاول جنود الجيش الإسرائيلي، في عمليات المتابعة التالية للقصف، السيطرة على المدينة.

تُذَكِّر تكتيكات حزب الله بتلك التي اتبعها جيش ڤيتنام الشمالي في الأيام الأولى لحرب ڤيتنام - حينما أمر قادة جيش ڤيتنام الشمالي جنودهم بضرورة "الاحتماء حتى ينتهي القصف بالقنابل" ثم التحرك لقتال الأمريكيين في وحدات صغيرة. يصف قائد عسكري ڤيتنامي هذه التكتيكات فيقول: "يجب أن تجذبوهم جذبا من أحزمتهم".

وفي 24 يوليو قامت إسرائيل، في إشارة أخرى للفشل المحدق بها في لبنان، بإطلاق الدفعة الأولى من آلاف القنابل العنقودية ضد ما أسمته "مواقع مدفعية حزب الله" في جنوب لبنان. القنابل العنقودية سلاح فعال رغم وحشيته، والبلدان التي تستخدمها ومنها كل أعضاء حلف شمال الأطلنطي (وكذلك روسيا والصين)، رفضت باستمرار الدخول في اتفاقية دولية تحرم استخدامها.

لكن أكثر الدول تحلياً بالمسئولية هي تلك التي تزود ذخائرها بصمامتين للتفجير لتقلل من معدل عدم انفجار"القنابل الصغيرة" بعد إطلاقها. وأثناء إدارة الرئيس الأميركي «بيل كلينتون» وافق وزير الدفاع «ويليام كوهين» على تزويد القنابل العنقودية الأمريكية بصمامتين للتفجير والاستغناء التدريجي عما يوجد في المخزون الأمريكي من ذخائر ذات "معدل عال في عدم الانفجار"، وكان الغرض من ذلك هو الحد من معدل عدم انفجار هذه الذخائر من 14% (البعض يقدره بأكثر من هذا) إلى أقل من 3% (وإن كان البعض يقدره بأقل من هذا).

وبالرغم من أن التحقيقات في استخدام إسرائيل لهذه الذخائر لم تكتمل بعد، فمن الواضح الآن أن الجيش الإسرائيلي استخدم ذخائر ذات صمامة تفجير واحدة. وتشير تقارير حديثة في الصحافة الإسرائيلية إلى أن ضباط المدفعية أغرقوا عشرات القرى اللبنانية بالقنابل العنقودية في أقرب ما يكون لتعريف الاستخدام "العشوائي" للقوة النارية.

ومن المرجح أن تكون الذخائر الإسرائيلية {من القنابل العنقودية} قد تم شراؤها من المخزون الأمريكي المتقادم الذي لم يزود بصمامتين، وهو ما يجعل الولايات المتحدة متواطئة في هذا الاستهداف العشوائي {للقرى اللبنانية}. يتسق هذا الاستنتاج مع التسلسل الزمني لإعادة إمداد إسرائيل بالذخائر في 22 يوليو. فمن المرجح جدا أن يكون الجيش الإسرائيلي قد تمكن [خلال يومين] من تفريغ شحنات هذه الذخائر ونشرها بالسرعة الكافية لخلق أزمة القنابل العنقودية في لبنان، التي بدأت منذ 24 يوليو ومازالت البلاد تعاني من بلائها حتى الآن.

جنود إسرائيليون مصابون في جنوب لبنان
وفي يوم 26 يوليو أقر المسئولون الإسرائيليون أن ال 24 ساعة الماضية في قتالهم من أجل «بنت جبيل» كانت بمثابة "أصعب يوم قتال في جنوب لبنان". وقرر قادة الجيش الإسرائيلي، بعد أن فشلوا في الاستيلاء على البلدة من حزب الله في الصباح، إرسال لواء النخبة «جولاني» للقتال هناك. وفي خلال ساعتين من بعد الظهيرة كان تسعة من جنود هذا اللواء قد قتلوا كما أصيب 22 منهم. وفي ساعة متأخرة عصر ذلك اليوم، أرسل الجيش الإسرائيلي لواء النخبة من قواته المظلية إلى «مارون الراس» حيث دخل القتال مع عناصر لواء «نصر» يومه الثالث.

وفي يوم 27 يوليو وافقت الحكومة الإسرائيلية، كرد فعل لفشل وحداتها في السيطرة على هاتين المدينتين، على استدعاء ثلاث فرق أخرى من الاحتياطي - أي 15000 جندي بالتمام والكمال. على أنه بحلول يوم 28 يوليو أصبح جلياً مدى فداحة فشل سلاح الجو الإسرائيلي في محاولاته لإيقاف هجمات حزب الله الصاروخية، حيث استخدم حزب الله في ذلك اليوم صاروخاً جديداً يدعى «خيبر 1» أصاب به مدينة «العفولة».

وفي يوم 28 يوليو تداعت أنباء الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي الذريع إلى الشعب الإسرائيلي. ففي ذلك اليوم سرّب مسئولون في الموساد معلومات تفيد أن حزب الله، في تقديرهم، لم يعان من خسائر ملموسة في قدراته العسكرية وأنه قد يكون باستطاعته الاستمرار في القتال لعدة شهور قادمة. لكن الجيش الإسرائيلي رفض هذه التقديرات وادعى أن حزب الله قد تضرر بشدة. وأظهر هذا بدايات الشقاق داخل فريق الاستخبارات الإسرائيلية.

وقد بدأ بعض الخبراء الأمريكيون أيضاً في التشكك في إستراتيجية إسرائيل وقدراتها. وقامت مؤسسة «بروكينجز» المحافظة بنشر تعليق كتبه «فيليب هـ. جوردون» (الذي ألقى بمسئولية الأزمة على حزب الله) قال فيه: "الموضوع ليس إن كان حزب الله مسئولاً عن الأزمة - فهو المسئول - وليس إذا كان من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها - فهذا حقها - ولكن الموضوع هو إذا ما كانت هذه الإستراتيجية بالتحديد [الحملة الجوية المتواصلة] ستنجح. لن تنجح. لن تجعل حزب الله عاجزاً لأنه، من المستحيل، ببساطة، أن تنجح حملة جوية في تدمير آلاف الصواريخ الصغيرة، المحمولة والمخبأة، والتي يسهل إعادة التزود بها."

عكس تعليق «جوردون» آراء عدد متزايد من القادة العسكريين الذين كانوا يتسابقون لنفض الغبار عن خططهم الجوية انتظاراً لصدور قرار من البيت الأبيض باستهداف المواقع النووية الإيرانية. يقول لنا خبير في شئون الشرق الأوسط على علاقة بمسئولين كبار في البنتاجون: "شاع فهمٌ خاطئ أن سلاح الجو الأمريكي كان مبتهجاً بالحرب الإسرائيلية على لبنان"، ويكمل: "لقد كانوا مذعورين. فهم يعرفون جيداً حدود قوتهم ويعرفون كيف يمكن إساءة استخدامها".

"لقد بدا لهم [أي لمسئولي سلاح الجو الأمريكي] أن إسرائيل ضربت بالقواعد عرض الحائط. فلم يكن ما فعلته إسرائيل جراحياً، ولا دقيقاً، وبالتأكيد لم يكن ذكياً. ليس لك أن تأمل في النصر لمجرد انك نجحت في تغطية بلد برداء من الحديد."

تُظهر الأرقام المجردة والقاسية للحرب مدى خطأ التفكير الذي استندت إليه حملة إسرائيل الجوية والبرية. فقد أخفى حزب الله ما يزيد على 18000 صاروخ في ترساناته قبل الحرب. وتم تحصين هذه المواقع ضد الغارات الجوية الإسرائيلية مما جعلها تنجو بسهولة من الحملة الجوية. وقد أجرى مسئولون في حزب الله قياساً للوقت الذي يمر ما بين لحظة إطلاق الصواريخ {على إسرائيل} واللحظة التي يتمكن فيها سلاح الجو الإسرائيلي من رصد مواقع الإطلاق وإرسال مقاتلات لتدمير منصات إطلاق الصواريخ المتحركة، فوجدوا أنه 90 ثانية. وقد تعلمت فرق إطلاق الصواريخ في حزب الله، عبر سنوات من التدريب الدؤوب، أن تخرج الصواريخ وتطلقها ثم تغطي منصاتها الصاروخية بأمان في أقل من 60 ثانية بما يجعل طائرات الجيش الإسرائيلي ومروحياته (التي تملك إسرائيل منها عددا أقل بكثير مما تدعيه) عاجزة عن وقف إطلاق صواريخ حزب الله المستمر على إسرائيل (يعلق أحد القادة العسكريين الأمريكيين فيقول: "ما يفصل بين إسرائيل وبين الكارثة الشاملة ثلاثة مروحيات تقريبا")

أطلق حزب الله ما يقرب من 4000 صاروخ على إسرائيل (الرقم الأكثر دقة، برغم عدم التيقن منه، هو 4180 صاروخ) ليقل مخزونه إلى 14000 صاروخ، وهو ما كان يكفي لمواصلة الحرب لثلاثة شهور أخرى على الأقل.

يضاف إلى ذلك، وهو الأمر الأعمق دلالة، أن مقاتلي حزب الله قد برهنوا على تفانيهم وانضباطهم، كما برهنوا، بقدرتهم على استخدام وسائل الاستخبارات لتحديد مواقع توغل قوات المشاة الإسرائيلية، على نديتهم لأفضل الوحدات المقاتلة الإسرائيلية. ففي بعض الحالات، هُزمت الوحدات الإسرائيلية في ساحة المعركة وأُجبرت على انسحابات مفاجئة أو اضطرت للاعتماد على الغطاء الجوي لإنقاذ عناصرها من خطر اكتساح حزب الله. وحتى قبيل انتهاء الحرب في يوم 9 أغسطس، أعلن الجيش الإسرائيلي عن مقتل 15 وإصابة 40 من جنود الاحتياط أثناء قتال في قرى «مرجعيون» و«الخيام» و«كلا». وهو معدل مذهل للخسائر بالنسبة إلى هذه المساحة البالغة الصغر من المناطق العمرانية.

دبابة ميركافا إسرائيلية محطمة في جنوب لبنان

دبابة ميركافا إسرائيلية محطمة في جنوب لبنان
كما استطاعت دفاعات حزب الله القوية أن تكلف المدرعات الإسرائيلية ثمناً باهظاً. فعندما وافقت إسرائيل أخيراً على وقف إطلاق النار وبدأت في انسحابها من منطقة الحدود كانت قد تركت خلفها أكثر من 40 آلية مدرعة، دُمرت كلها تقريباً باستخدام صواريخ «ساجر AT-3» المضادة للدروع و التي تم نشرها بحنكة. و«ساجر AT-3» هو الاسم الذي أطلقه حلف شمال الأطلنطي على الصواريخ الروسية الصنع من الجيل الثاني المسمى «9M14 ماليوتكا» - أو "الصغيرة" - والتي تحمل على عربات أو على ظهور المقاتلين وتُوجَّه بواسطة الأسلاك.

وقد أثبتت صواريخ «ساجر»، بمداها الذي يصل لثلاثة كيلومترات، نجاحها الكبير في إصابة الدبابات الإسرائيلية. الشيء الذي أصاب قائدي سلاح المدرعات الإسرائيلي بنوبات من الفزع، الجانب الأكبر منه بسبب أن صواريخ «ساجر» التي يستخدمها حزب الله هي من طراز قديم (تم تطويره ونشره في عام 1973) بينما الطراز الحديث منها أسهل في إخفائه ونشره، ويحمل رأساً حربياً أكبر. فإذا كان الجيش الإسرائيلي لم يستطع أن يحمي مدرعاته من صورايخ طراز 1973 "الجيل الثاني"، فلابد أن قواد الجيش الإسرائيلي يتساءلون الآن كيف يمكن لمدرعاتهم أن تحمي نفسها من طراز من الصواريخ أكثر حداثة و تطوراً و أشد فتكاً.

وقبيل تطبيق وقف إطلاق النار قررت المؤسسة السياسية الإسرائيلية القيام بإنزال مظليين إسرائيليين في مناطق رئيسية بمحاذاة نهر الليطاني. ويبدو أن هذا القرار أُتخذ لإقناع المجتمع الدولي أن قواعد الاشتباك للقوة التابعة للأمم المتحدة لابد وأن تمتد من الليطاني جنوباً. وما كان لإسرائيل أن تدعي لنفسها الحق في طلب كهذا إلا إذا كان بمقدورها القول، بمصداقية، أنها طهرت هذا الجزء من لبنان وحتى الليطاني {من قوات حزب الله}.

لتحقيق هذا الهدف، تم حمل عدد معتبر من القوات الإسرائيلية جواً إلى مناطق رئيسية جنوب الليطاني مباشرة. و كان يمكن لهذا القرار أن يؤدي لكارثة. فمعظم القوات الإسرائيلية التي حُملت جواً لهذه المناطق حاصرتها على الفور وحدات حزب الله وكان يمكن أن تسحقها على نحو حاسم لولا دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. وقد أثار هذا القرار السياسي غضب ضباط متقاعدين في الجيش الإسرائيلي واتهم أحدهم «أولمرت» بالزج بالجيش في ألاعيب سياسية ("spinning the military") - أي باستخدام الجيش لأغراض العلاقات العامة.

ربما كانت أعداد القتلى والجرحى هي أكثر الشواهد دلالة على الفشل العسكري الإسرائيلي. فإسرائيل تدعي الآن أنها قتلت حوالي 400-500 من مقاتلي حزب الله بينما كانت خسائرها أقل كثيراً. ولكن إجراء الحسابات بمزيد من الدقة يبين أن الخسائر في الأرواح في صفوف إسرائيل وحزب الله متساوية تقريباً. فمن المستحيل أن لا يقوم الشيعة (وحزب الله) بتشييع مشرف لشهدائهم، وإذا كان الأمر كذلك فالمسألة لا تعدو إحصاء عدد الجنازات. وقد كان عدد الجنازات التي أُقيمت لمقاتلي لمقاتلي حزب الله أقل من 180 جنازة وهو تقريباً نفس عدد القتلى على الجانب الإسرائيلي. يمكننا الآن أن ننقح العدد بالزيادة: فآخر معلوماتنا من لبنان تفيد أن العدد الدقيق لجنازات شهداء الشيعة في الجنوب كان 184 جنازة.

ولكن الانتصار الذي حققه حزب الله في القتال مع إسرائيل لا يمكن تقييمه إلا كنصر عسكري وسياسي حاسم أيا كان المقياس المستخدم، سواء كان عدد الصواريخ {التي أطلقت} أو العربات المدرعة {التي دمرت} أو أعداد الجرحى والقتلى {من الجانبين}. وحتى لو كان الأمر عكس ذلك (ومن الواضح أنه ليس كذلك) فإن مجمل الأثر الذي أسفرت عنه الحرب بين حزب الله وإسرائيل على مدار 34 يوماً في يوليو وأغسطس قد أحدث زلزالا سياسيا في المنطقة.

كانت الهزيمة العسكرية التي أنزلها حزب الله بإسرائيل حاسمة ولكن الهزيمة السياسية التي أنزلها بالولايات المتحدة - التي انحازت بلا جدال لإسرائيل أثناء الحرب ورفضت إيقافها - كانت هزيمة كارثية سيبقى لها أثرها الدائم على هيبة الولايات المتحدة في المنطقة.
____________________________
ألاستير كروك» و«مارك بيري» هما مديرا «منتدى النزاعات». «كروك» مسئول سابق في المخابرات البريطانية (MI6) ومستشار شئون الشرق الأوسط السابق لـ«خافيير سولانا»، الممثل الأعلى للإتحاد الأوروبي. أما «بيري» فهو محلل وكاتب متخصص في شئون العسكرية والاستخباراتية وشئون السياسية الخارجية ومؤلف لعدة كتب عن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.

عنوان النص الأصلي باللغة الإنجليزية:
HOW HEZBOLLAH DEFEATED ISRAEL
PART 2: Winning the ground war

By Alastair Crooke and Mark Perry
(ترجمة: عمرو عبد العليم)

الجزء الأول: الانتصار في حرب المخابرات
الجزء الثالث: الحرب السياسية

١٣ نوفمبر ٢٠٠٦

 

كيف هزم حزب الله إسرائيل (1)


الجزء الأول: الانتصار في حرب المخابرات

«ألاستير كروك» و«مارك بيري»*

بقايا دبابة إسرائيلية محطمة في جنوب لبنان

مقدمة

بعد خمس سنوات من هجمات 11 سبتمبر 2001، نشر الخبير العسكري الأمريكي «أنتوني كوردسمان» تقريراً عن الصراع بين إسرائيل وحزب الله بعنوان "دروس أولية من الحرب بين إسرائيل وحزب الله". وقد أثار هذا التقرير اهتماما كبيراً في البنتاجون حيث عكف على دراسته مخططو قيادة الأركان المشتركة وتناقلته أيدي الخبراء العسكريين في واشنطن. على أن «كوردسمان» لم يخف تواضع النتائج التي توصل إليها، فاعترف بحق بأن دراسته ليست فقط "أولية"، بل أقر أيضا بأنها لم تأخذ في الاعتبار الكيفية التي خاض بها حزب الله الحرب وقيم بها نتائجها. فهو يقول: "هذا التحليل.. قاصر، بحكم عدم القيام بزيارة مماثلة للبنان ولحزب الله".

وقد حققت دراسة «كوردسمان»، برغم القصور الذي قد نجده فيها، هدفين: قدمت أساساً لتفهم الحرب من وجهة النظر الإسرائيلية، وأثارت أسئلة عن الكيفية التي قاتل بها حزب الله ومدى كفاءته في القتال. وبوسعنا الآن، بعد مرور شهرين تقريباً من نهاية الحرب بين إسرائيل وحزب الله، أن نسد بعض الفراغات التي تركها «كوردسمان» دون أن يتطرق إليها.

الصورة التي نقدمها هنا قاصرة أيضاً. فمسئولو حزب الله لا يتحدثون عادة، لا في العلن ولا في وثائقهم، عن الكيفية التي خاضوا بها الحرب، ولا يعلنون تفاصيل انتشار قواتهم ولا يناقشون إستراتيجيتهم المستقبلية. لكن بالرغم من هذا، فقد بدأت دروس الحرب من منظور حزب الله في التجلي واستنبط منها مخططو الاستراتيجيات الأمريكيون والإسرائيليون بعض الدروس الصغيرة. وقد بنينا نتائجنا على التقديرات الميدانية التي أجريت أثناء الحرب، وعلى حوارات مع خبراء عسكريين إسرائيليين وأمريكيين وأوربيين، وعلى أحاديث أجريناها مع لفيف من المسئولين في الشرق الأوسط المهتمين بشدة بنتائج الحرب.

وتتناقض النتيجة الكلية التي خلصنا إليها مع وجهة النظر الحالية التي يسوقها بعض المسئولين في البيت الأبيض وإسرائيل وخلاصتها "أن هجوم إسرائيل على لبنان أضر بشدة بقدرة حزب الله على شن حرب، وأن إسرائيل نجحت في تقويض قدرة حزب الله على الانتصار عسكريا في أي صراع مقبل، وأن قوات جيش الدفاع الإسرائيلي تمكنت، بمجرد أن أتمت انتشارها بأعداد كبيرة في جنوب لبنان، من التغلب على خصومها وإملاء تسوية لصالح المؤسسة السياسية الإسرائيلية".

العكس تماماً هو الصحيح. فمنذ بدء الصراع وحتى آخر عملياته، نجح قادة حزب الله في اختراق دوائر صنع القرار الاستراتيجي والتكتيكي في إسرائيل عبر مجموعة واسعة من العمليات الاستخباراتية والعسكرية والسياسية مما جعل حزب الله يحقق نصرا حاسما وكاملا في حربه مع إسرائيل.


حرب المخابرات

انتصار حزب الله في حرب المخابرات

في أعقاب الحرب، اعترف الأمين العام للحزب «حسن نصر الله» بأن رد إسرائيل العسكري على خطف اثنين من جنودها وقتل ثمانية آخرين في الساعة 9:04 من صباح 12 يوليو كان مفاجئاً لقيادة حزب الله.

وقد جاء تصريح «نصر الله» ليضع حداً للروايات الصحفية عن تخطيط حزب الله عمداً لإشعال حرب مع إسرائيل وعن كون عملية الخطف جزءا من خطة متفق عليها بين حزب الله وإيران. فبالرغم من أن حزب الله ظل يعلن بوضوح على مدى سنوات عن نيته لخطف جنود إسرائيليين، كان هناك سبب وجيه لافتراض أنه لن يفعل ذلك في منتصف فصل الصيف حين تزور لبنان أعداد كبيرة من الأسر الشيعية الثرية المغتربة (وتصرف أموالها داخل الجماعة الشيعية) وفي وقت يتوقع فيه وفود أعداد كبيرة من عرب الخليج إلى البلاد.

وليس من الصحيح كذلك أن حزب الله، كما أوردت التقارير الصحفية في البداية، كان ينسق أنشطته مع حماس. فقد فاجأت عملية الاختطاف حماس. وبرغم دفاع قيادة حماس عن أفعال حزب الله فمن السهل، حين نسترجع الأحداث، أن نرى لماذا لم تكن حماس،على الأرجح، سعيدة بتلك الأفعال: فعلى مدار فترة الحرب شنت إسرائيل عمليات عسكرية متعددة ضد حماس في قطاع غزة قتلت فيها العشرات من المقاتلين وأعدادا كبيرة من المدنيين. ومرت هذه الهجمات، في الأغلب الأعم، دون اهتمام يذكر من الغرب مما أعاد إلى الأذهان القول المأثور: "حينما يشتعل الشرق الأوسط، يُنسى الفلسطينيون".

واقع الأمر أن عملية خطف الجنديين الإسرائيليين وقتل الثمانية الآخرين فاجأت قيادة حزب الله. وقد تم تنفيذ العملية فقط لأن التعليمات الدائمة المعطاة لوحدات حزب الله على الحدود الإسرائيلية تنص على ضرورة استغلال نقاط الضعف العسكرية الإسرائيلية. و كان «نصر الله» نفسه قد أشار منذ زمن إلى نية حزب الله لخطف جنود إسرائيليين بعدما تراجع رئيس الوزراء السابق «أرئيل شارون» عن الوفاء بالاتفاق على الإفراج عن كل الأسرى اللبنانيين –حيث لم يفرج عن ثلاثة منهم – ضمن آخر تبادل للأسرى بين حزب الله وإسرائيل.

كانت عملية الخطف، في الواقع، بالغة السهولة: خالف جنود إسرائيليون قرب الحدود الإجراءات السارية بشأن العمليات، فتركوا مركباتهم في مرمى مدفعية حزب الله بينما لم يكن لديهم اتصال بقيادتهم الأعلى وبينما كانوا محجوبين عن رؤية مواقع النيران التي تغطيهم.

نسجل هنا أنه بينما كانت أجهزة الإعلام الغربية تدأب على نقل معلومات مضللة عن الوقائع على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، أيدت جريدة هأرتس الإسرائيلية بقوة الرواية التالية: "أُرسلت على الفور قوة مكونة من دبابات وناقلات جند مدرعة إلى داخل لبنان في مطاردة محمومة. وحدث أثناء المطاردة في الساعة 11 صباحاً.. [أن] مرت دبابة ميركافا فوق قنبلة قوية تحتوي على ما يقدر ب 200 إلى 300 كجم من المتفجرات على بعد 70 متراً شمال السياج الحدودي. دُمرت الدبابة بشكل كامل تقريباً وقُتل على الفور كل أفراد طاقمها الأربعة. وشن جنود الجيش الإسرائيلي ً على مدار الساعات التالية قتالا شرسا ضد مسلحي حزب الله... خلال هذه المعركة قتل، حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر، جندي آخر وأصيب جنديان بجروح طفيفة".

وكانت عملية الاختطاف منطلقا لسلسلة من أخطاء الجيش الإسرائيلي الفادحة التي تفاقمت من جرّاء ما أقدم عليه قادة عسكريون [إسرائيليون] من تصرفات تخرج عن القواعد الإجرائية العادية في منطقة الحدود. فأعضاء الدورية كانوا في أواخر أيام انتشارهم في الشمال وقد تخلوا عن حذرهم. وليس من الصحيح أن مقاتلي حزب الله قتلوا الإسرائيليين الثمانية أثناء خطفهم للجنديين، فقد مات الثمانية حينما أمر قائد حدودي من الجيش الإسرائيلي، بسبب حرجه من مخالفته للإجراءات السارية فيما يبدو، بإرسال مدرعتين لمطاردة الخاطفين.و مرت المدرعتان وسط شبكة من ألغام حزب الله المضادة للدبابات فدُمرتا. ومات جنود الجيش الإسرائيلي الثمانية أثناء هذه العملية أو نتيجة لأعمال القتال التي تلتها مباشرة.

كون وحدة تابعة للجيش الإسرائيلي قد قامت بالتجول قريباً جداً من الحدود دون ستار ناري، وتركت نفسها عرضة لهجوم حزب الله، دفع المسئولين الإسرائيليين إلى التساؤل عما إذا ما كانت تلك الوحدة قد تصرفت خارج إطار التسلسل القيادي. وهو ما جعل قادة كبار في الجيش الإسرائيلي يشكلون، فيما يبدو، لجنة تحقيق داخلية بعد هذه الواقعة مباشرة لتقصي حقائق الموضوع ولمراجعة إجراءات الجيش الإسرائيلي التي تحكم سلوك الوحدات على الحدود الشمالية لإسرائيل. و لم تنشر بعد النتائج التي توصلت إليها هذه اللجنة.

في غضون دقائق قليلة من عملية الخطف، كان مقاتلو حزب الله في جنوب لبنان، وبالرغم من مفاجأتهم بالرد الإسرائيلي، قد أصبحوا على أهبة الاستعداد كما جرى استنفار قادة ترسانات الأسلحة بواسطة رؤسائهم. كانت دفاعات حزب الله القوية والمدعمة ثمرة لعمل جاد استمر طيلة ستة أعوام بدأت بالانسحاب الإسرائيلي من المنطقة عام 2000، فتمت تقوية كثير من مخابئ القيادة الحصينة التي صممها وبناها مهندسو حزب الله بل وجرى تزويد البعض منها بمكيفات للهواء.

كان حفر ترسانات الأسلحة في باطن الأرض على مدى السنوات الماضية متوازيا مع برنامج للتضليل. حيث بني بعض المخابئ في العلن وغالبا ما كان ذلك تحت عيون طائرات التجسس الإسرائيلية أو على مرأى من مواطنين لبنانيين تربطهم علاقات وثيقة بإسرائيل. و كانت هذه المخابئ، باستثناء القليل منها،هياكل وهمية. في الوقت نفسه، مضى العمل في بناء مخابئ أخرى في مناطق محجوبة عن أعين السكان اللبنانيين. أما مخابئ القيادة ومخابئ ترسانات الأسلحة الأكثر أهمية فجرى حفرها في تلال لبنان الصخرية بعمق يصل إلى 40 متراً. و تم توزيع ما يقرب من 600 مخبأ مستقل للذخيرة والسلاح في مواقع إستراتيجية بمنطقة جنوب الليطاني.

ولدواعي الأمن، لم يكن هناك أي قائد يعرف أماكن كل المخابئ بمفرده. وكانت المخابئ المخصصة لكل وحدة من وحدات ميليشيا حزب الله لا تزيد عن ثلاثة فقط – مخبأ ذخيرة أساسي واثنين احتياطيين في حالة تدمير المخبأ الأساسي. كما خصصت لكل وحدة مقاتلة مواقع تجمع أساسية وأخرى احتياطية للتزود بالسلاح والاشتباك في مناطق قتالية محددة. و كان الالتزام بقواعد الأمن في تنظيم الجنود صارماً . فلم يكن لدى أي عضو في حزب الله معرفة بالهيكل الكامل للمخابئ الحصينة.

في الأيام الثلاثة الأولى للحرب، استهدف سلاح الجو الإسرائيلي مواقع ترسانات سلاح حزب الله ومواقع تجمع وحداته. وكنت القيادة الإسرائيلية قد حددت مواقع هذه المخابئ الحصينة من خلال مجموعة من تقارير المخابرات، واعتراض إشارات اتصالات حزب الله، وصور الأقمار الصناعية الاستطلاعية التي تم جمعها بالتعاون مع الجيش الأمريكي، وتحليل الصور التي التقطها سلاح الجو الإسرائيلي أثناء تحليقه فوق المنطقة والصور التي التقطتها الطائرات بدون طيار المنتشرة فوق الجنوب اللبناني، والأهم من ذلك كله من خلال شبكة من عناصر المخابرات البشرية الموثوق بها التي جندتها إسرائيل من خلال رجال مخابراتها الذين يعيشون في جنوب لبنان وضمنهم عدد كبير من الأجانب المسجلين في البلد كعاملين وافدين.

باء الهجوم الأول، الذي شن في ال 72 ساعة الأولى للحرب على نقاط تجمع وحدات حزب الله ومجمعات خنادقه الرئيسية، بالفشل. وفي الخامس عشر من يوليو استهدف سلاح الجو الإسرائيلي قيادة حزب الله في بيروت، وباء هذا الهجوم بدوره بالفشل. و لم يحدث أن قُتلت أي شخصية سياسية رفيعة من حزب الله في أي لحظة خلال الحرب برغم إصرار إسرائيل المستمر على أن القيادة العليا للمنظمة عانت من خسائر.

وكانت الخسائر التي ألحقها سلاح الجو الإسرائيلي بالموارد العسكرية لحزب الله في الأيام الثلاثة الأولى للقتال، بحسب مسئول أمريكي تابع الحرب عن كثب، "ربما لا تتجاوز 7% فقط" من عتاده العسكري. وأضاف المسئول نفسه أن الهجمات الجوية الإسرائيلية على قيادة حزب الله كانت، في رأيه، "عديمة الجدوى تماماً".

ولم تكن التقارير عن احتماء القيادات العليا لحزب الله بالسفارة الإيرانية في بيروت (التي لم تمس خلال الهجوم الجوي الإسرائيلي) صحيحة، وإن كان من غير المعروف يقينا أين اختبأت قيادة حزب الله. "حتى أنا لم أكن أعرف أين كنت" هكذا قال نصر الله زعيم حزب الله لأحد رفاقه. ورغم ذلك كله، فان خطط إسرائيل العسكرية لتدمير البنية التحتية للبنان لم تكن نتيجة لفشل سلاح الجو الإسرائيلي في النيل من قدرة حزب الله العسكرية في الأيام الأولى للحرب.

فقد دعت خطط القيادة العسكرية الإسرائيلية إلى قصف مبكر ومتواصل للطرق والموانئ الرئيسية بالإضافة إلى خططها لتدمير المقدرات العسكرية والسياسية لحزب الله. و لم تخف الحكومة الإسرائيلية نيتها لإضعاف ما يلقاه حزب الله من تأييد في الأوساط المسيحية والسنية والدرزية. و كانت هذه الفكرة، فكرة معاقبة لبنان لإيوائه لحزب الله وبالتالي تأليب الناس عليه، جزءا من خطة إسرائيل منذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000.

وفي حين كان مسئولو الجيش الإسرائيلي يعلنون بثقة وعلى الملأ نجاحهم في هجومهم العسكري، أوصى قادتهم، في نهاية الأسبوع الأول من القصف، بأن يوافق رئيس الوزراء «إيهود أولمرت» على تكثيف الطلعات الجوية على مخابئ حزب الله في مناطق الأهداف الهامشية. وقد وافق «أولمرت» على هذه الهجمات وهو يعرف أن طلباً كهذا من ضباطه الكبار يعني بوضوح الاعتراف بأن تقديرهم المبدأي للدمار الذي لحق بحزب الله كان مبالغاً فيه.

وكان ما حدث في «قانا» نتيجة لموافقة «أولمرت» على "توسيع نطاق الأهداف". يتحدث خبير عسكري أمريكي، تابع الحرب عن قرب، عن قصف «قانا» فيقول: "الأمر بسيط. بعد فشل الحملة الأولى راجع واضعو الخطط في سلاح الجو الإسرائيلي ملفات الأهداف مرة أخرى ليتحققوا مما إذا كان قد فات عليهم أي هدف. وحينما قرروا أن ذلك لم يحدث، قام أحدهم، على الأرجح، وذهب للغرفة الأخرى وعاد بمجموعة من بطاقات الأهداف الجديدة التي تقع في مناطق ذات كثافة سكانية عالية وقال ’ها.. ما رأيكم في بطاقات الأهداف هذه؟‘ وهكذا قصفوها". ومعنى هذا أن قصف الأهداف التي تنال من مناطق الكثافة السكانية في جنوب لبنان كان نتيجة لفشل إسرائيل في الحرب وليس لنجاحها فيها.

تصاعد "توسيع الأهداف" على مدار الحرب. فبدأ سلاح الجو الإسرائيلي، بدافع من إحباطه الناتج من عجزه عن تحديد وتدمير مقدرات حزب الله العسكرية، في استهداف المدارس والمراكز الاجتماعية والمساجد معتقدا أن عجزه عن تحديد مواقع مخابئ حزب الله الحصينة وشل قدرتها إنما يرجع إلى استعداد حزب الله لإخفاء عتاده وقواته الرئيسية داخل مراكز مدنية.

كان من الحجج التي ساقها مسئولو سلاح الجو الإسرائيلي أيضاً أن قدرة حزب الله على مواصلة هجماته الصاروخية على إسرائيل إنما يعني أن إمداد المنظمة بالذخائر مستمر دون انقطاع، وأن قطع خطوط الإمداد المارة ببلدة «قانا»، الواقعة على مفترق تقاطع خمس طرق سريعة في قلب مناطق تواجد حزب الله، من شأنه أن يتيح لسلاح الجو الإسرائيلي الفرصة لإثبات أن الإمدادات التي تصل إلى حزب الله عبر هذه البلدة هي وحدها التي تمكنه من الاستمرار في القتال.

تظل الحقيقة، برغم ذلك، أن القيادة العليا للجيش الإسرائيلي كانت تعلم أن توسيع عدد الأهداف في لبنان لن يحقق، على الأرجح، سوى القليل في إضعاف قدرات حزب الله. وذلك أن حزب الله كان يواصل عملياته دون أي أمل في التزود بإمدادات جديدة معتمدا على مخابئ السلاح والصواريخ التي تمت تقويتها للصمود أمام الهجمات الإسرائيلية. و في أعقاب ما حدث في «قانا»، التي قتل فيها 28 مدنياً، وافقت إسرائيل على وقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة.

قدم وقف إطلاق النار الدليل الأول على نجاح حزب الله في الصمود أمام الهجمات الجوية الإسرائيلية وعلى أنه كان يخطط لدفاع متواصل وطويل الأمد عن جنوب لبنان. وقد احترم القادة العسكريون لحزب الله وقف إطلاق النار بأمر من قيادتهم السياسية. فباستثناء حادثة فردية أو اثنتين ، لم يتم إطلاق أية صورايخ على إسرائيل في خلال فترة وقف إطلاق النار. وبينما تجاهل خبراء الاستخبارات في إسرائيل والغرب قدرة حزب الله على "وقف إطلاق النار" فعلياً، جاءت قدرته على فرض الانضباط على قادته الميدانيين لتشكل بوضوح صدمة غير مرغوب فيها للقيادة العليا للجيش الإسرائيلي، التي استشفت أن تجهيزات الاتصالات الخاصة بحزب الله قد نجت من الهجمة الجوية الإسرائيلية، وأن قيادة حزب الله كانت على اتصال مع القادة الميدانيين على الأرض، وأن هؤلاء القادة كانوا قادرين على الاحتفاظ بشبكة اتصالات محكمة برغم الممانعة الإسرائيلية.

كانت قدرة حزب الله على وقف إطلاق النار تعني، بكل بساطة، أن إسرائيل لم تنجح في الفصل بين مقاتلي حزب الله وهيكلهم القيادي (وهو ضرورة بالنسبة للجيوش الحديثة التي تحارب معارك معقدة تكنولوجياً). وكان أمام القيادة العليا للجيش الإسرائيلي استنتاج واحد – هو أن معلوماتها قبل الحرب عن إمكانات حزب الله العسكرية كانت، في أحسن التقديرات، شديدة القصور أو، في أسوأها، فادحة الخطأ.

ففي الحقيقة، طور مسئولو الاستخبارات في حزب الله على مدى سنتين قدرة كبيرة للتنصت على الإشارات اللاسلكية للخصم. فظل قادة حزب الله، على مدار الحرب، قادرين على التنبؤ بالزمان والمكان الذي ستهجم فيه المقاتلات والقاذفات الإسرائيلية. علاوة على ذلك، فقد كشف حزب الله عن هوية العناصر البشرية الأساسية التي تعمل لحساب الاستخبارات الإسرائيلية في لبنان. وبعد شهر من خطف جنود دورية الحدود الإسرائيلية والهجوم الإسرائيلي التالي اخترق مسئولو الاستخبارات اللبنانية شبكة تجسس إسرائيلية تعمل داخل البلاد.

قبض المسئولون في المخابرات اللبنانية (وحزب الله) على 16 جاسوسا إسرائيليا على الأقل في لبنان، وان كانوا قد فشلوا في القبض على زعيم الشبكة. فضلاً عن ذلك، نجح حزب الله، في فترة العامين ما بين العام 2004 وعشية الحرب، في "تسليم" عدد من العناصر المدنية اللبنانية التي تنقل معلومات عن مواقع المخابئ العسكرية الأساسية للحزب إلى ضباط الاستخبارات الإسرائيلية. وفي عدد قليل من الحالات الفائقة الأهمية استطاع مسئولو الاستخبارات الكبار في حزب الله في تسريب معلومات مغلوطة عن أهم مواقع المنظمة إلى إسرائيل. وكانت النتيجة أن ملفات الأهداف لدى إسرائيل حددت مواقع أساسية لحزب الله لم يكن لها، في الحقيقة، أي وجود.

وأخيراً، كان لقدرة حزب الله على اعتراض وقراءة التحركات الإسرائيلية أثر حاسم على الحرب البرية المقبلة. فقد أتقن مسئولو الاستخبارات في حزب الله القدرة على التجسس على الإشارات إلى درجة مكنتهم من اعتراض الاتصالات الأرضية بين القادة العسكريين الإسرائيليين. لقد استخفت إسرائيل، التي تعتمد الاتصالات بين قادتها العسكريين على مجموعة من التقنيات فائقة التطور"للقفز بين الترددات"، بقدرات حزب الله على إجادة تقنيات مضادة لهذه الإشارات. و سيكون لهذا تأثير جوهري على حسابات إسرائيل المعتمدة على أن المفاجأة وحدها كفيلة بأن تمنح جنودها هامشاً أكبر للنصر.

أصبح جلياً الآن أن المؤسسة السياسية الإسرائيلية أصابتها الصدمة من جرّاء فشل قواتها في تحقيق أهدافها الأولية في الحرب – ومن بينها تخريب عدد كبير من ترسانات أسلحة حزب الله وتدمير قدراته القيادية.

لكن المؤسسة السياسية الإسرائيلية لم تفعل شيئاً تقريباً للاستعداد لأسوأ الاحتمالات: فالاجتماع الأول للمجلس الأمني الإسرائيلي عشية اختطاف الجنود في 12 يوليو لم يدم أكثر من ثلاث ساعات. وبينما طلب «أولمرت» ومجلسه الأمني تفاصيل نقاط خطة الجيش الإسرائيلي للأيام الثلاثة الأولى للحرب، فإنهم فشلوا في صياغة أهداف سياسية واضحة في أعقاب الحرب أو في رسم إستراتيجية سياسية للخروج [من لبنان] في حال فشل الحملة العسكرية.

لقد انتهك «أولمرت» ومجلس الأمن الإسرائيلي المبدأ الأول للحرب باحتقارهم للعدو. ففي عدة سياقات كان أولمرت ووزراؤه أسرى لإيمان أعمى بفاعلية الردع الإسرائيلي. واعتبروا، شأنهم شأن الشعب الإسرائيلي، أي تشكيك في قدرات الجيش الإسرائيلي بمثابة تدنيس للمقدسات.

لقد كان فشل المخابرات الإسرائيلية أثناء الصراع كارثياً. وكان معنى هذا أن احتمال نجاح إسرائيل في تحقيق نصر حاسم على حزب الله، بعد فشل الحملة الجوية الإسرائيلية لتقويض مقدرات حزب الله في ال 72 ساعة الأولى للحرب، يقترب باطراد من العدم.

يقول خبير عسكري أمريكي:" لقد خسرت إسرائيل الحرب في الأيام الثلاثة الأولى" ويضيف: "إذا كنت تمتلك عنصر مفاجأة كهذا وقوة نيران من هذا النوع فعليك أن تنتصر وإلا ستبقى في الحرب لفترة طويلة".

وانتهت القيادة العليا للجيش الإسرائيلي إلى أن الخيار الوحيد المتبقي أمامها بعد فشل الحملة الجوية، هو غزو لبنان بقوات برية على أمل أن تستطيع تدمير إرادة الانتصار لدى حزب الله.
____________________________
ألاستير كروك» و«مارك بيري» هما مديرا «منتدى النزاعات». «كروك» مسئول سابق في المخابرات البريطانية (MI6) ومستشار شئون الشرق الأوسط السابق لـ«خافيير سولانا»، الممثل الأعلى للإتحاد الأوروبي. أما «بيري» فهو محلل وكاتب متخصص في شئون العسكرية والاستخباراتية وشئون السياسية الخارجية ومؤلف لعدة كتب عن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.

عنوان النص الأصلي باللغة الإنجليزية:
HOW HEZBOLLAH DEFEATED ISRAEL
PART 1: Winning the intelligence war

By Alastair Crooke and Mark Perry
(ترجمة: عمرو عبد العليم)

الجزء الثاني: الانتصار في الحرب البرية
الجزء الثالث: الحرب السياسية

١٠ سبتمبر ٢٠٠٦

 

انتصرنا


انتصرنا!


من حوار السيد «حسن نصر الله» مع «تليفزيون الجديد» (New TV) في 27 أغسطس 2006:
"[...] خلينا نقول هذا النصر لمين، لنقول مين بيحقله يحكي بالنصر وينبسط فيه ويتبناه ويستثمره كمان [...] وأنا رأيي هون يعني حتى بعدين لما صار نقاش إنه هذا النصر لمن يُهدى؟ في الحقيقة هو ما في من يَهْدِي ومن يُهْدَى إليه؛ لأن من يَهْدِي ومن يُهْدَى إليه هم شركا بالنصر..

أنا بعتقد كل واحد قاوم إلو علاقة بالنصر. كل واحد صبر، كل واحد صمد، كل واحد احتضن، كل واحد آوى، كل واحد دعم إعلاميا.. معنوياً.. سياسياً.. إلو علاقة بالنصر. كل واحد ما كان قادر يعمل شيء سوى إنه يدعيلنا هو شريك بالنصر. حتى دُعا مش قادر يدعي بس هواه من جوه.. قلبه من جوه كان بده إيانا ننتصر هو شريك بالنصر. كل واحد كان يختلج قلبه لها المقاومة.. تدمع عينه لهذه المقاومة.. يفرح لفرحها ويحزن لحزنها هو شريك بالنصر. وبيحقله يقف ويقول: إنتصرنا. سواء كان بلبنان أو بغير لبنان.

[...]

أما اللي اتواطأ واتآمر وغطا، وكان عم بيراهن إنه ها المقاومة تنضرب وتتصفى، وكان عم بيطالب إنه الحرب تستمر بالسر أو بالعلن، أو كان بقلبه يتمنى أن تُهزم هذه المقاومة - شو بدي شو عم بيقول بلسانه - وبدال ما يدعيلها بالنصر يدعي عليها بالهزيمة، هذا ما له علاقة بالنصر. نهائياً ما إلو علاقة بالنصر. ولا اللي انتصروا فيهن يهدوه النصر.

[...]

كل حزب وكل حركة وكل تنظيم وكل جمعية وكل إنسان على امتداد العالم العربي والإسلامي والعالم، كل وسيلة إعلام، كل صحفي، كل كاتب، كل شاعر، كل فنان، كل إنسان عادي، كتب أو حكي أو اتظاهر أو بكي أو دمعت عينه أو اتفاعل معانا، بيقدر يوقف ويقول: انتصرنا. مش انتصرت المقاومة هو انتصر لما هو كان جزء من المعركة.

[...]

اليوم إنه أنا بدي أهدي المسيحيين نصر بلبنان مثلاً؟ بعض الناس إجوا سألوني ها السؤال. أنا بقول جزء كبير من المسيحيين بلبنان هن شركا بالنصر. [...] فيه جزء كبير من المسيحيين هو شريك بهذا بالنصر. قلباً وقالباً. قلباً وقالباً. فيه جزء كبير من المسلمين هو شريك بالنصر. وبالتالي أنا بدي أهديهن؟؟ ما هن شركا! ما هي المعركة ما كلتنا فيها! هلأ فيه واحد عم بيقاتل بالسلاح، واحد عم بيقاتل بالسياسة، واحد عم بيقاتل بالإعلام، واحد عم بيقاتل بالصبر، واحد عم بيقاتل بإقتسام لقمة العيش. ولذلك أنا هون بالحقيقة ما بأقول حزب الله وغير حزب الله، ما بأقول هذا نصر حزب الله ولمين بده يهديه. أنا هون عم بقول كل الناس اللي كان إلهن علاقة بشكل أو بآخر ولو بالعاطفة ولو بالهوى هن شركا بهذا النصر. واللي ما كان إلهن علاقة هن مش شركا. وإذا هذا النصر بيخوفهن شو بعملهن؟! يعني لازم انهزم حتى ما يخافوا!"

٢٧ أغسطس ٢٠٠٦

 

قائد الجيش اللبناني: الجيش سينتشر إلى جانب المقاومة


نص كلمة قائد الجيش اللبناني العماد «ميشال سليمان» إلى العسكريين يوم 18 أغسطس 2006 بمناسبة انتشار الجيش في الجنوب:
"اليوم وباسم ’الإرادة الوطنية الجامعة‘، تستعدون للانتشار على ارض الجنوب الجريح، إلى جانب مقاومتكم ومع شعبكم الذي أذهل العالم بصموده وثباته، وكسر هيبة الجيش الذي قيل عنه انه لا يقهر، بعدما هزمه بصبره وتمسكه بحقه وتجذره بأرضه وارتباطه بتاريخه. تؤكدون على تلاحمكم به وان وجودكم على ثغور الوطن ليس صدفة ولا مرحلة عابرة، بل هو تأكيد على القيام بالواجب الوطني الذي نذرتم له أنفسكم وأقسمتم عليه يمين الولاء.

لقد اخطأ العدو الإسرائيلي عندما أقدم على تقطيع أوصال الوطن، بهدم جسوره وضرب بناه، ومحاولة كسر إرادة أبنائه، وكأنه تناسى أن في لبنان جيشاً شكل ولا يزال مرجلاً ينصهر فيه التنوع جسداً واحداً، تدب فيه الحياة بدماء الشهداء من الجيش والمواطنين المقاومين والصامدين، رجالاً ونساء، شيوخاً وأطفالا. هذا الدم النازف المنتصر على حق القوة، يجعل من وطننا لبنان عصياً على الموت وجديراً بالحياة.

أيها العسكريون لقد كان الجنوب لفترة طويلة من الزمن، بوابة القلق ومدخل الرياح، أما اليوم وانتم ترابطون على تخومه وروابيه، وتبذلون كل المستطاع في سبيل خدمة أهله الأباة الصابرين، ورفع المعاناة عنهم وبلسمة جراحهم. تحولوه إلى حصن منيع للوحدة الوطنية، ومساحة عبقة بطيب السيادة ورحابة الاستقلال.

وطن كلبنان تهون أمامه الصعاب وترخص الأنفس والأرواح. شعبكم، صفاً واحداً، كالبنيان المرصوص، يقف خلفكم، رهانه عليكم لا يوازيه إلا ثقته العالية بقدرتكم على ردع العدوان، واستعدادكم للتضحية والفداء، فكونوا على قدر آماله لينعم بالاستقرار والأمن والطمأنينة. باسمكم احيي رفاقاً لكم شهداء، وأحيي رجالاً عاهدوا الله على الوفاء للوطن والأرض، فنصرهم لتبقى دماؤهم الزكية عنوان الانتصار على السيف وجسور التواصل على امتداد الوطن."

٠٦ أغسطس ٢٠٠٦

 

مثقفون متضامنون مع لبنان والمقاومة


نقلاً عن جريدة «السفير» اللبنانية:
وجّه عدد من المثقفين الأجانب، بينهم «طارق علي»، «نعوم تشومسكي»، «إدواردو غاليانو»، «هوارد زين»، «كين لوتش»، «جون برغر»، و«أروندهاتي روي»، رسالة، تلقّتها «السفير»، عبّروا فيها عن تضامنهم مع ضحايا ’العنف‘ في لبنان، ولكل من يعتلي عرش المقاومة ضده، مؤكدين على سعيهم إلى استخدام كل الوسائل للكشف عن تواطؤ حكوماتهم في الجرائم التي ترتكب في لبنان.
وفي الآتي نص الرسالة:

إن الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان والمدعومة من الولايات المتحدة جعلت البلد في حالة من الذهول والاشتعال والغضب. إن المجزرة التي ارتكبت في قانا وخسارة الأرواح ليست ’غير متكافئة‘ فحسب، بل هي، وفقاً للقوانين الدولية، جريمة حرب.
إن التدمير المنهجي والمتعمّد للبنية الاجتماعية في لبنان عبر سلاح الجو الإسرائيلي هو، أيضاً، جريمة حرب تهدف إلى تحويل البلاد لمحمية إسرائيلية أميركية.
إن الاعتداءات لم تؤتِ ثمارها، لا بل أدت إلى نتائج عكسية، فيما يقف العالم أجمع متفرّجاً مشدوهاً. وفي لبنان، 87 في المئة من السكان يدعمون مقاومة حزب الله، بمن فيهم 80 في المئة من المسيحيين والدروز، و89 في المئة من المسلمين السنّة، في مقابل 8 في المئة فقط يعتقدون أن الولايات المتحدة تدعم لبنان.
ولكن هذه الاعتداءات لن تمثل أمام أية محكمة أنشأها ’المجتمع الدولي‘، بما أن الولايات المتحدة وحلفاءها الذين اقترفوا أو تورّطوا في هذه الجرائم البشعة، لن يسمحوا بذلك.
لقد بات واضحاً أن العدوان على لبنان، من أجل القضاء على حزب الله، قد تمّ التخطيط له منذ زمن بعيد. وقد منحت الولايات المتحدة وحليفتها المطيعة بريطانيا، برغم كل الاعتراضات التي جابهها بلير في بلاده، الضوء الأخضر لكي تستكمل إسرائيل جرائمها.
إن السلام القصير الذي تمتّع به لبنان قد شارف على نهايته. وها هو البلد المشلول مكره مجدداً لاستذكار ماضٍ عمل جاهداً على نسيانه.
إن إرهاب الدولة الذي ابتلي به لبنان، يتكرر يومياً في قطاع غزة، فيما يقف ’المجتمع الدولي‘ مكتوف الأيدي، يراقب بصمت. وفي هذا الوقت يتمّ الاستيلاء على ما تبقى من فلسطين، بمشاركة مباشرة من الولايات المتحدة ومع موافقة ضمنية من حلفائها.
إننا نقدّم تضامننا ودعمنا لضحايا هذا العنف، ولكل من يعتلي عرش مقاومته. ومن جهتنا، سنستخدم كل الوسائل المتاحة لدينا، لفضح تواطؤ حكوماتنا في هذه الجرائم. لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط ما دام الاحتلال مستمراً في فلسطين والعراق، وما دام القصف على لبنان متواصلاً.


نسخة باللغة الإنجليزية

٠٥ أغسطس ٢٠٠٦

 

أغلبية اللبنانيين يؤيدون أسر جنود إسرائيليين منذ فبراير الماضي


كنت قد نشرت استطلاعاً للرأي قام به «مركز بيروت للأبحاث والمعلومات» ما بين 24 و26 يوليو 2006 يظهر تأييد غالبية اللبنايين لأسر المقاومة لجنود إسرائيليين لمبادلتهم بالأسرى اللبنانيين ولتصديها للاعتداءات الإسرائيلية على لبنان.

نفس المركز كان قد قام باستطلاع سابق في الفترة الواقعة بين 23 و28 فيراير 2006 وكانت بين نتائجه ما يلي:
ماذا تعتبر حزب الله، مقاومة أم ميليشيا؟
- 75,7% حزب الله مقاومة
- 24,3% ميليشيا

هل تؤيد نزع سلاح المقاومة؟
- 58,1% لا
- 41,9% نعم

هل أنت مع استمرار المقاومة حتى تحرير مزارع شبعا؟
- 68,5% نعم
- 31,5% لا

هل تؤيد قيام حزب الله بأسر جنود إسرائيليين بهدف إطلاق سراح سمير القنطار ورفاقه؟
- 70,9% نعم
- 29,1% لا

واللافت هنا ليس تأييد غالبية اللبنايين للمقاومة ولأسر الجنود. ولكن لطرح موضوع أسر الجنود في استطلاع للرأي يرجع تاريخه لخمسة شهور سابقة. مما يعني أن الموضوع كان مطروحاً بكل وضوح أمام الجميع منذ ما يزيد على خمسة أشهر على الأقل.